Culture Magazine Monday  09/06/2008 G Issue 251
فضاءات
الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1429   العدد  251
 

لغة نقدية
مصلح النجار

 

 

مضى من القرن الحادي والعشرين أكثرُ من سبع سنوات، وهي سبع عجافٌ - في ظَنِّي- على مستوى الأحداث السياسية والاقتصادية، فضلاً عن سماجتها على مستوى النقد الأدبيّ. وهذه السماجة تصبح أعظم فداحةً، حين ننظر إليها مقابلَ منجَزٍ أدبيّ عريض، ومتميّز.

ولطالما كان المتابعون يعلنون أنّ النقد في بلادنا لا يتماشى مع النتاجات الأدبية كما ينبغي، وتلك شكوى دائمة، ولكنّ هذه الشكوى تفاقمت حتى لم يَعُدْ ثمّة باب للمصالحة بين نتاج أدبيّ أكثر تفوّقاً، ونتاج نقدي أكثر تقهقراً، إلاّ من خلال معادلة مفادها أن النتاج النقديّ يتناسب تناسباً عكسيّاً مع النتاجات الأدبية.

ثمّة مشكلات في المتابعة، وفي التناسب مع النتاجات الأدبية، وفي المعاصرة، وفي ملاحقة المستجدات النقدية العالمية، وفي الخطاب النقديّ، وفي استيراد ما يناسب ثقافتنا وأدبنا دون غيره، وهي مشكلات مستعصية وكبيرة تجعلنا نتغاضى عن مشكلة أخرى هي مشكلة (لغة النقد).

وعندما أقول لغة النقد، فأنا لا أقصد الخطاب النقديّ، بل اللغة التي يُكتب بها النقد، إنه انتقاء الجمل، والعبارات، والمفرادات، للتعبير عن وجهة النظر النقدية، وثمّة تراثٌ عريق عندنا من النقَّاد المتمرّسين الذين يحسِنون انتقاءَ مفرداتِهم، ويجيدون التعبيرَ عن مُرادهم، من دون إساءة، أو تجريح، أو قدْحٍ، أو احتقارٍ، أو نَيل من الآخرين، كما أن هنالك، في المقابل، من اتّهَم الآخرينَ وقد نستوضحُ ذلك من خلال عناوينِ بعض الكتب ومن ذلك: (عَبثُ الوليد) لأبي العلاء المعرّي، و(الرسالة الموضحة في ذكر سرقات أبي الطيب وساقط شعره) لأبي عليّ الحاتميّ، و(الكشف عن مساوئ شعر المتنبي) للصاحب بن عبّاد، و(الإبانة عن سرقات المتنبيّ) للعميديّ، ونجد عناوين كتب ومقالات لنقّاد رومانسيين عرب من قبيل: (على السفّود) للرافعيّ، و(نقيق الضفادع) لميخائيل نعيمة، و(صنم الألاعيب) للعقاد، و(... مذهب ذوي العاهات) للعقاد أيضا.

ونسمع خارج إطار العناوين عن مساجلات نقدية دارت بين النقاد والأدباء كمثل تلك التي اشتهرت بين العقّاد وإحسان عبد القدّوس، أو بين العقاد وشوقي، أو بين العقاد وعبدالرحمن شكري، وسوى ذلك كثير. وجدير بالذكر أنّ بعض لغة النقد العربي في حقَبه السابقة كان يتقبّل الإساءة، ولا يأبى البذاءة، ولا يميّز بين الشخصيّ والأدبيّ، ويجعل ذواتِ الأدباء مادةً للنقد، مثلَ أعمالِهم الأدبية، أو دونها.

والغريب أن بعض (النقاد) ويحلو لي أن أضع كلمة نقاد بين قوسين، ما زال يحتفظ بتلك اللغة ويتحفّظها، ويحسب أن النقد هو أداة لتصفية الحسابات الشخصية، وهو لا يدرك أنّ الزمن قد تجاوز ذلك المنحى.

إن تطرّف العالم في السياسة، والاقتصاد وفي المسائل الاجتماعية، يجعل التطرّف حاضراً في جوانب كثيرة من النتاجات الأدبية، ولعلّ دور النقد يكمن في تعديل تلك التطرّفات، من خلال التوازن العقلي الذي يعتمده في مقارباته النصوصَ، فَهَل يكون النقد ساحةً تنعكس فيها الثقافة الحدّيّة لناقد متطرّف، أو مزعج، أو منزعج، أو حاقد، أو راغب في الشهرة.

إن ممارسة (المُعَلِّمية) خطأ حين لا يكون الذي يمارسها معلّماً، وفي المقابل: إنّ الإعلاء من شأن ما ليس أهلاً للإعلاء - أمرٌ يُلغي مصداقية النقد، ويلغي أثر الحطّ من قدر الجهود المتميّزة، ولله درّ النقِّاد!!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7446»ثم أرسلها إلى الكود 82244

- عمّان muslih@hu.edu.jo


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة