Culture Magazine Monday  09/06/2008 G Issue 251
فضاءات
الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1429   العدد  251
 

نظرات في الثقافة «2»
المفهوم.. الملامح.. المكونات
د. عبدالرحمن الفريح

 

 

للثقافة خصائص، أبرزها أن الثقافة اكتساب إنساني يتم من خلال عملية تسمى التنشئة الثقافية وأن الشخص يكتسب الثقافة باعتباره عضواً في المجتمع فالحياة الاجتماعية تصبح مستحيلة دون وجود التفاهم والممارسات المتبادلة التي يشارك فيها الناس جميعاً وأن الثقافة كل معقد تتمثل وحداته فيما يسمى السمات الثقافية وتسمى المجموعة المتقاربة من السمات الثقافية النمط الثقافي مثال ذلك التقاليد المرتبطة بالزواج والمراحل السابقة له والتودد وتشكل هذه المجموعة نمطاً ثقافياً محدداً.

لمعظم الجماعات الكبيرة سماتها الثقافية الخاصة التي تلائم ظروفها وحاجاتها وتؤمن بقاءها واستمرارها ومثل هذه المجموعة من السمات الثقافية يمكن تسميتها ثقافة وتمتلك الأمم ومعظم القبائل وحتى بعض القرى الثقافة بهذا المعنى.

الثقافة مؤثرة في المجتمع وعلاج مشكلاته والوفاء بحاجاته إذا ما نمت نمواً صحيحاً في مناخ سليم وإذا لم تكن عاجزة مشلولة الحركة عديمة التأثير والتيارات المتعددة موجودة في الثقافة العربية قديماً وحديثاً لا ريب في ذلك ولابد من نظرة أشمل وأعمق لموضوع الارتباط التاريخي على أنه ارتباط بالدين الإسلامي وبالجذر الثقافي العربي العميق وثقافتنا الوطنية ليست بمعزل عن الثقافة العربية.

أما الجدل الثقافي فإن هناك من يرى أن الحوار الثقافي مهم والحاجة تدعو إليه وإننا مطالبون بالبحث والتنقيب عن قواسم مشتركة تجمع وتضفي على الشخصية الثقافية طابع التكامل والتعاضد لا طابع التناقض والتباعد وإن الحوار إنما هو واجب وطني ومطلب عربي وإسلامي وإن تاريخ الثقافة المعاصرة لم يتم بطريقة دقيقة توضح التيارات المتباينة وأنه لابد من الحوار عن الثقافة العربية المعاصرة وهذه آراء قابلة للأخذ والرد والتأمل والمنافسة وإذا قيل عن الفكر والثقافة إن الفكر هو وجدان الأمة الفاعل والثقافة وجدان الأمة المتفاعل فإن الإبداع جوهر في كيان الثقافة له شأن في سيرورة الحياة وصيرورتها وفي جدلية العلاقة بالمجتمع بوصفه مؤسسة لها قوامها وقيمها ومقوماتها وشأن في الوجود الفاعل والحضور المتألق.

هناك من يرى أن انشغال التيارات الثقافية بكيفية التعامل مع ثقافة مصنوعة وافدة عبر وسائل الاتصال تهدف إلى تكوين شخصية إنسان مستهلك يتمشى مع متطلبات العولمة وإن الدعوة للتماثل الثقافي هي وسيلة التبعية الثقافية وإن اختلاف التيارات الثقافية يصبح مدعاة لتشتيت السلوك وتبديد القيم والأمة لا تفرض عليها التبعية الثقافية إلا إذا تعرضت للتشتيت الثقافي.

تتغير كل ثقافة وقد يكون معدل التغيير سريعاً أو بطيئاً ولأن الثقافة تتكون من عدة أجزاء مترابطة فإن أي تغيير في أحد الأجزاء لابد وأن يؤثر في الأجزاء الأخرى وعند بعض علماء الاجتماع أن كثيراً من المشكلات الاجتماعية تظهر لأن بعض أجزاء الثقافة تتغير على نحو أبطأ مما تتغير به الأجزاء الأخرى ويشير مصطلح التخلف الثقافي إلى هذا الميل في بعض أجزاء الثقافة للتخلف وراء الأجزاء الأخرى المرتبطة بها.

يتغير العلم والتقنية على نحو سريع فيتجاوزان الثقافة غير المادية ومن العوامل التي تسبب تغير الثقافة التغيرات لا تحدث في البيئة والاحتكاك بالثقافات الأخرى والاختراع والتطورات التي تحدث في داخل الثقافة ذاتها.

على المثقف أن يكون على صلة بالمعرفة ونموها وتطورها وألا يكون منفصلاً عن حوادث العالم سلمه وحربه وإذا كانت الثقافة تشمل مجموعة النشاط الفكري والفني بمعناهما الواسع وما يتصل بهما من المهارات أو يعين عليهما من الوسائل فهي موصولة الروابط بجميع أوجه النشاط الاجتماعي الأخرى فمصطلح الثقافة يشمل مجموعة المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها وطرائق السلوك والتصرف والتعبير وطرز الحياة.

إذن الثقافة تتغير وهي ذات خصائص كما أنها ذات مؤثرات منها المناخ والأرض والموارد الطبيعية والحيوانات وذات ملامح تختلف باختلاف الثقافات فإذا كان الطعام ضرورة للإنسان فإن كيفية الحصول عليه ووسائل توزيعه وإعداده تختلف وكذا أشكال الزواج وأنساق القرابة.

يمثل المثقف ضمير المجتمع ويقع عليه ما يقع على الضمير من عبء ومسؤولية في كيان الفرد وهو بهذه الصفة يمثل الضمير الجمعي ويعبر عنه ويحمل أرقة وقلقه ويكثف درجة الحساسية الاجتماعية في تعبيره عنه وللمثقفين دورهم في تخفيف البؤس البشري والظلم اللذين يقعان على الآخرين ودورهم في رسم صورة عالم الغد وملامحه.

أما أهم ملامح الثقافة الوطنية فهو أنها ثقافة منفتحة على الآخر ذات بعد عربي له عدة روافد ومن هذه الروافد المدرسون العرب الذين جاءوا في وقت مبكر فاختلطوا بالمجتمع فأثروا وتأثروا والأدباء العرب الكبار الذين زاروا المملكة خاصة إقليم الحجاز قبل النهضة التعليمية وكذا مشاركة بعض الكتاب العرب في الحركة الثقافية الوطنية الذين قدموا لبعض الإنتاج العربي السعودي وتفاعل الثقافة الوطنية مع الثقافة الغربية ووجودها في الحركة الثقافية العربية الرسمية كما حدث حين انعقد الملتقى الثقافي في جدة عام 1374هـ وشاركت فيه وفود من مصر والشام ولبنان والعراق وتونس والمغرب واليمن إضافة إلى المملكة حيث كان الاجتماع الرسمي للجنة الثقافية لجامعة الدول العربية وحركة النشر خارج الوطن إذ أن عدداً من الكتب الوطنية تمت طباعتها في مصر في وقت مبكر.

كذلك البعثات التعليمية التي شرقت وغربت مشاركة في النهضة العلمية العربية فبدأت بالتوجه إلى مصر ثم بقية الدول العربية وأوربا وأمريكا لدراسة العلوم والفنون والأدب وإنشاء المعاهد العلمية والجامعات التي دفعت في الحياة دماً جديداً ونبضاً دافقاً لأجيال بنت فوق ما بنى الأجداد وأضافت إلى التراث وأعانت على بناء نهضة متطورة متجددة وإسهام المؤسسات الثقافية ودور النشر والصحافة والدوريات ووسائل الإعلام في النتاج الثقافي وتنظيم الأسابيع الثقافية والمهرجانات.

للأندية الأدبية وجمعية الثقافية والفنون أيضاً دورها الثقافي بحيث أصبحت منذ قيامها روافد هامة للتواصل مع مثقفي الوطن العربي وتقديم المزيد من الأدب المحلي بملامحه المميزة التي تعني بالجوانب التاريخية والبيئية والتراثية.

إن الذي تجب ملاحظته هو إن أبعاد الانفتاح على الآخر لا تنفي عن ثقافتنا أنها ثقافة ملتزمة دون انطواء ودون غلق الأبواب في وجه الجديد ولكن الالتزام يعني أن هذه الثقافة تحكمها ثوابت تشكل حماية من الانزلاق دون أن تشكل عائقاً لها ولعلي اقتبس من لقاء ثقافي نظمه النادي الأدبي بمنطقة حائل شارك فيه معالي الدكتور راشد الراجح والأستاذ عبدالفتاح أبو مدين والأستاذ عبدالرحمن العبيد الآتي: (لقد أسهمت المؤسسات العلمية والمرافق الحضارية والثقافية في كافة أنحاء المملكة في تشكيل الثقافة وتكوينها وإذا كنا لا نستطيع أن نفصل بين ملامح الثقافة الوطنية السعودية وملامح الثقافة الإسلامية فإن أهم مميزات ثقافتنا أنها طبعت بخصائص إسلامية تقوم على الفضيلة والأخلاق الحميدة وتحارب الرذيلة وتغرس في النفوس الإيثار وحب الآخرين كما تضرب في عمق التاريخ بما تدعو إليه من مكارم الأخلاق مرتفعة فوق الإقليمية الضيقة).

(الثقافة المطلوبة هي التي تخلص الإسلام من شوائب الاستغراب وتشد أزر المسلمين في صراعهم الديني مع الحضارة المتسلطة بكل أدواتها التقنية المتقدمة كما أنها ثقافة ترفض الجمود والتخلف بدعوى رفض كل جديد وترفض العلمانية الملحدة التي تعتبر الدين عقبة في طريق البناء الحضاري وترفض العنصرية المستغربة التي تدعو لمسخ شخصيتنا).

- حائل


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة