Culture Magazine Monday  09/06/2008 G Issue 251
مداخلات
الأثنين 5 ,جمادى الثانية 1429   العدد  251
 

إثر ملف يماني
(فتاة من حائل) والتبسط العامي

 

 

يذكر د. محمد عبده يماني في مقدمة روايته (فتاة من حائل) أنها فكرة قديمة ظلت تراوده إلى أن هيأ الله له الفرصة المناسبة ليسطرها على الورق خلال مدة زادت عن السنتين، وأنها متممة لما سبق أن بدأه من محاولة.

لا إعادة تشكيل ملامح واقعية عرفها أوعايشها أواطلع عليها بشكل أو بآخر، وقال: (وهي أيضاً جهد يهدف إلى رسم بعض صور المجتمع السعودي بوجه خاص، في محاولة لسد جانب - ولو يسير - من الفراغ الذي نلاحظه في هذا اللون من العطاء الفكري في بلادنا).

إذا كان الدكتور يماني قد أراد لروايته أن ترصد بعض الملامح من الواقعية التي عاشها في المجتمع السعودي. فهل كان الشخوص معبرين عن هذه الواقعية، ومرتبطين أيضاً بالأحداث التي قال عنها بأنه عرفها أوعايشها أواطلع عليها؟

يوجد في (فتاة من حائل) شخصيتان رئيسيتان هما هشام وهيا، ويوجد بعض الأشخاص الثانويين سواء في أسرة (هشام) أو في أسرة (هيا)، كما يوجد أيضا بعض الشخوص الهامشيين الذين ينهضون ببعض الأحداث.

تمحورت أحداث الرواية حول شخصية (هشام) التي ظهرت مسطحة في النصف الأول في الرواية وتحولت إلى النمو في النصف الثاني منها وهو شاب لطيف المعشر، بر بوالديه عطوف على أخواته الثلاث ولا تفوته الصلاة في الحرم المكي كلما زار مسقط رأسه، وهو ليس شابا منعزلا فقد اندمج في أمريكا مع مساكنه (توم) وقبل دعوة له، وعمل على تغيير بعض ما اعتادت عليه زوجته، وتخلى معها عن عنفه المظنون، ورضي بأن يبقى معها في أمريكا (محرماً)، وتحقق له ما سعى إليه، وسافر من اجله.

(هيا) فتاة من حائل عمرها منذ أن بدأت تشارك في أحداث الرواية ثمانية عشر عاما، حصلت على الثانوية العامة، وزوجت لهشام، وتؤدي دوراً هاماً في حياة زوجها، فتشجعه على السفر إلى أمريكا لدراسة الماجستير، وسافرت معه لكنها أبت تغيير زيها الذي اعتادت عليه، واستثمرت بقاءها في البيت بدراسة اللغة الانجليزية بواسطة الكتب والأشرطة، وتسبب بعض الإحراجات لزوجها، ويعرض عليها - في حالة غضبه عودتها إلى المملكة، ثم يعتذر لها، ويتفتق ذهنها عن محاولة تستطيع بها أن تبقي زوجها في أمريكا بعد فشله في دروسه، حيث وفقت في الحصول على منحة لدراسة اللغة الانجليزية، واستمر معها حتى تخرجها، وحصلت على شهادة عليا في موضوع دراستها.

لقد ظهرت شخصية (هيا) بصورة مزدوجة على المستوى النفسي إذ كانت مطيعة جداً لزوجها في ارض الوطن، ثم أصبحت صعبة المراس معه في أمريكا عند ما حاول أن يجعلها تتكيف مع حياتها الجديدة بأرض الغربة، وهي ذكية جداً في الوطن وخارجه.

لقد عارض زوجها ما رأته حول طريقة زيارتهم لزميله السعودي وأسرته في أمريكا، كما اعترض على طريقة ردها على الدكتور (باركر) عندما هم بتقبيل يدها، وأبدى دهشته واستياءه من تصميمها على دخول الجامعة بزيها التقليدي مما يثير شهية الضحك لدى الناس، وقد صمدت في وجه كل غزو أو تيار للحياة المادية رأته يهدد التقاليد العريقة التي شبت عليها.

وجاءت تسطح شخصيتها على مستويين.. المستوى الأول وهي بالوطن والمستوى الثاني وهي مع زوجها في أمريكا.. وإذا كان عنوان الرواية وموضوعها هو (فتاة من حائل) فإنها لم تظهر على مسرح الأحداث إلا بعد مائة صفحة من صفحات الرواية التي بلغت ثلاث مائة وستين، ثم اختفت أثناء العام الأول لسفر هشام، ولم تظهر بصورة مؤثرة إلا في التسعين صفحة الأخيرة.

تمثل هاتان الشخصيتان (هشام وهيا) الدور الرئيسي في بناء الرواية، ويستمد الصراع منهما ويتمحور حولهما، وقد اشتد في الربع الأخير من الرواية، كما عمرت الأحداث بالعديد من الشخوص الثانوية، ويمثلها أفراد أسرة هشام في (مكة) وأسرة هيا في (حائل)، وهناك شخوص أخرى في الوطن وفي أمريكا ثم هناك بعض الشخوص العابرة، وبعض الشخوص المختفية. وهكذا نشأ عن تضخم أحداث الرواية تضخم آخر في عدد الشخوص ناتج عن الاستطرادات التي كان المؤلف ينساق إليها، ويطيل فيها، فقد تحدث (خال هشام) مثلاً عن ذكرياته في حرب فلسطين، واستطرد المؤلف فتحدث عن الزي التقليدي فيما يقرب من عشر صفحات.

ومن الشخوص الروائية في أسرة هشام: والده الذي أغفل الكاتب ذكر اسمه، وكذلك أمه وأخته (رجاء) وأختاه الصغيرتان. ومن الشخوص في أسرة هيا والدها (الشيخ عبد الله) وأخوها (ناصر) زميل هشام و(أم ناصر) وهي شخصية في حكم المعدومة. وفي الرواية شخوص عديدة منها زملاء هشام في الجامعة (عبد العزيز- عمر- تركي- علاء) وأساتذة الجامعة (د. محمد، ود. إبراهيم، الأستاذ عبد الله) وخال هشام وأصدقائه.

وترصد الرواية مجموعة من الشخوص في أمريكا مثل (توم، باتريشيا، وجين، ومصطفى ولد حمد، ود.باركر..). وغيرهم. وفي الرواية بعض الشخصيات الغائبة مثل (فاطمة) التي تحدثت عنها رجاء (أخت هشام) وكانت تود لأخيها أن يتزوجها، ولم تشارك هذه الشخصية في الأحداث.

وهكذا حفلت الرواية بالعديد من الشخوص الرئيسية المحورية والثانوية والهامشية والغائبة في داخل الوطن وخارجه.

لقد امتلأت شخصيات الرواية بالنشاط والحركة سواء (هنا) أم (هناك) ولم يبال الكاتب برسمها، ولم يحرص على رصد انطباعاتها ونزعاتها النفسية (الداخلية)، وبذل جهدا كبيراً في تسجيل أقوالها من خلال الحوار المتكرر الذي أجراه فيما بينها، وجسد الطموح والتفاؤل في مناقشاتها، وحرص على أن يجنب الشخوص العربية من خطورة الانزلاق أمام مغريات الحياة العصرية، ولم يترك بطل الرواية يتلوث، أويسقط في الرذيلة، وأوقفه (فقط) على بابها.

وأراد بذلك أن يقارن بين حياتنا العربية بما فيها من مثاليات وأخلاق، وبين الحياة الأجنبية بما فيها من سقوط ورذيلة وانحلال.

ولوحظت على المؤلف مبالغات مثل حديثه عن رفض (هيا) للسفر، وتمنعها حول التنزه في (لندن)، ورفضها لأي تغيير لنمط حياتها في أمريكا، وان هذه المبالغة شملت تصرفاتها في الوطن وخارجه من خلال الطاعة أولا، والتزمت والعناد ثانياً. ولقد أحسست أن الكاتب يتدخل في تصرفات هذه المرأة ويملي رأيه عليها، ويجعلها ترفض السفر وهي لم تره، وتأبى تغيير الزي، وليس في ذلك ما يبعث على الرفض مادامت حريصة على التحشم والالتزام. وفي النهاية أورد نموذجاً يتضح منه انسياق المؤلف إلى إجراء الحوار باللهجة العامية التي لم نألفها في أعماله الأخرى، قال: (وإذا دخل الاثنان إلى البيت تبين لهشام أن هيا لا تحمل الشهادة في يدها، فقال باستغراب:

- الله - فين الشهادة؟

- وردت هيا بعدم اكتراث:

- مدري...يمكن نسيتها في السيارة.

- الله يهديكي يا بنت الناس.. حد ينسى شهادته كده؟؟.. إنا بكره راح اعملها برواز ونعلقها في صدر الصالون.

ولعل الكاتب قد أراد بهذا التبسط العامي في الحوار أن يدلل على صدق الحدث وواقعية الموقف، ولكنه انزلق إلى مالا يليق أن يقع فيه قاصا بارعا، يجيد الحبكات.. ويتعمق بالأحداث ويرسم اللوحات.. ويضع اللمسات الإنسانية المؤثرة مثل الدكتور محمد عبده يماني، صاحب الرائعة السياسية (مشرد بلا خطيئة)، حتى وإن استحسن العامية بعض الرواة والنقاد.

فريال الحوار - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة