Culture Magazine Thursday  04/03/2010 G Issue 300
فضاءات
الخميس 18 ,ربيع الاول 1431   العدد  300
 
الرواية السعودية أدب الأمّيين
الرواية السعودية وفخ الإعلام
أحمد اللهيب

ربما لم يظهر اهتمام نسقي نقدي على جنس أدبي في منطقة الخليج مثل ما ظهر للرواية السعودية، التي قلبت الطاولة الإبداعية على غيرها من الأجناس الأدبية، المرئي منها والمقروء، وهذا التحول لم يكن عبثا في جزء منه، حيث تكاثرت الأعمال الروائية وتشعبت عددا وكيفا، فمجموع الروايات السعودية في عام 2003م وصل إلى 23 رواية، ثم تجاوزه ليصل في عام 2005م إلى 26 رواية، وفي عام 2006م قارب عددها 41 رواية، وفي عام 2007 تجاوزت 50 رواية، بينما وصل عدد الروايات إلى ما يقارب 70 رواية في عام 2008م، وهي مرحلة أشبه بالانفجار البركاني المفاجئ، وقد تعددت الأسماء الفاعلة للعمل الروائي كتابا وكاتبات، ولم يقتصر على المد الذكوري، بل لا نبالغ أن نقول إن أكثر الروايات السعودية إثارة كانت نسائية القلم.

بيد أن المتأمل لتلك الأعمال الروائية يجدها تتخذ من الإثارة أسلوبا بدءا من العنوان الذي يمثل حجر الزاوية في تلقي القارئ، فروايات مثل (بنات الرياض، حب في السعودية، نساء المنكر، سعوديات، فتاة الشرقية... وغيرها) كانت تلعب لعبة من العنوان نفسه دون الغوص في مضامين الرواية أو فنيتها أو نسقها الثقافي أو الاجتماعي، وهذه العناوين هي ما تحدث للمتلقي (دهشة) يفيق منها بعض اقتنائه الرواية وقراءتها، فلا يستقر به الرأي إلا نادما على كثير مما اقتنى. وإذا تجاوز العنوان وجد أنّ المحور الرئيس الذي يربط بين تلك الروايات هو المفارقة التي صنعتها مع سلوك المجتمع بشكل عام، وكشف المخبوء منه والمستور فيه، والتعامل مع موضوعات ذات حساسية فائقة في مجتمع محافظ، وهي (المرأة والجنس، والدين - وشيء من السياسة).

يسند ذلك من جهة أخرى قدرة الكاتب على الحضور الإعلامي مرئيا ومسموعا ومقروءا، وهو حضور مرتبط في طرف منه بالعلاقات الاجتماعية والانتماء المناطقي والقلبي وفي جانب خفي بحسن المنظر وروعة الطلعة !!!. وهذا يلغي الجانب المهم من العمل الروائي باعتباره إبداعا كتابيا قادرا على خلق شخوصه وأحداثه، ومستميتا في بناء هيكله الروائي بشكل جدير بالاهتمام.

إن الوقوف على المنعطفات التي أحدثتها الرواية السعودية يوحي إلى أن الرواية أخذت أكثر مما تستحق بناءً على فنيتها ولغتها وحتى لكثير من الأحداث التي طُرحت في ثناياها، الحقّ أنّ عددا غير قليل من تلك الروايات اعتمد تقانة الإنترنت لرسم أحداث الرواية وهوامشها، بيد أنها في رأيي ستكون (بيضة ديك) فعدد غير قليل ممن كتب روايته الأولى صمت عن الكلام المباح منذ ثلاث سنوات، وتحولت تلك الروايات إلى سير ذاتية أكثر من كونها عملا روائيا ممزوجا بين الواقعية والخيال، ويكفي أن نعلم - كما يقول أحد الباحثين - أنّ 26 روائياً من كتّاب النصوص الروائية لعام 2006م يمثل لهم إنتاجهم في تلك السنة النص الأول و15 روائياً كان نتاجهم ذلك العام الثاني أو الثالث. مما يدل على هوس كتابي يكشف عن استسهال في التعامل مع فن الرواية. وإذا تأملنا صمت العديد من تلك الأسماء بعد ذلك العمل الأول تبين لنا أن تلك الروايات إنما هي بيضة ديك.

الرواية السعودية الجديدة تكشف فيما تكشف (سوى ضعفها البنائي والروائي واللغوي) ضحالة في الرؤية التي يتبناها كثير من الكتاب، فلا هي تصدر عن وعي بمعنى الكلمة تحاول من خلاله أن تفجر أو تغيّر من عالمنا أو محيطنا، إنها لا تتبنى محوراً (تنويرياً) تستطيع من خلاله أن تبرمج أطروحة فكرية، تنساب إلى أذهاننا بشكل فاعل، أو تستطيع (حتى من خلال حشدها لكثير من الأسماء أو التنوع الثقافي الذي تحاول أن ترسمه) أن تعالج قضايانا بواسطة فكرٍ مستمد من رؤى سابقة، تناولتها أقلام الكتاب التنويريين. في حين أن كثيرا من الكتاب يحاول أن يضخم من حجم تلك الحكايات البسيطة التي رسمها في روايته، وهي تحدث في أي مجتمع وفي مجتمعنا بشكل غير نادر.

من جانب آخر ساعد النقد والنقاد في الترويج لمثل هذه الروايات بشكل مثير للدهشة والتعجب، وتوالت المقالات المروجة لكل رواية تصدر دون أن يقدم لها النقد البناء، مبتعدين عن النقد الأدبي المتبع لمنهج علمي، لنقد يطل على النص باعتباره قيمة اجتماعية أكثر من كونه قيمة فنية، وباحثين في تلك النصوص عن مساحة من الإسقاطات الفكرية التي يحملونها؛ لتكون دليلا على ما يحملون من أفكار ورؤى فلسفية، مما جعل تلك الروايات تنصرف عن قيمتها الفنية الجمالية إلى قيم اجتماعية فضائحية.

- تركي الحمد والوهم الروائي.

عندما تقرأ الأعمال الروائية لتركي الحمد تقف عاجزاً عن تقبُلِ اللغة الروائية التي يكتب بها، فهي - أي الأعمال - تفتقد اللغة التعبيرية الإيحائية المكتنزة لدرجات عُليا من الشمول، فهي - لغة الحمد الروائية - لا تتجاوز بك اللغة المنطقية المعهودة، لتنبعث معها إلى منزلة من التعبير الرمزي. ولاشك أنّ هذه اللغة التي تعتمدها أعمال الحمد الروائية تجعل القارئ يصاب بنوع من الملل. ومن جانب آخر تتيح هذه اللغة للقارئ أن يصل إلى النتيجة الروائية الحتمية بل ربما يتجاوز صفحات من الرواية بادئاً من أي مكان دون أن يشعر بانقطاع أو تراتبية للأحداث أو الأفعال مما يحدث نوعاً من انعدام وحدة الحدث التي تشكل العصب الفني للرواية.

ولو قارنّا رواية الحمد الأخيرة «جروح الذاكرة» ط1 الصادرة عن دار الساقي 2001م برواية أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» من ناحية اللغة التعبيرية لوجدنا بوناً شاسعاً، فرواية أحلام مستغانمي يقتحم الإبداع فيها جنون الشعر وجنون الرواية، فيحدث أن يكون المبدع شاعراً روائياً في آن واحد، ويحدث أن يقدم لنا عملاً نسميه (الرواية الشعرية)؛ التي تحمل كل ما في الشعر من صورة وتركيز ولغة، وتحمل كل ما في الرواية من أحداث ومواقف وحضور. يصدق هذا الوصف على رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي؛ ذلك أن هذه الرواية الشعرية تشكل في بنائها الدرامي، وفي تحليلها النفسي وعرضها الفني البارع للأحداث والشخصيات، والترابط الموضوعي في تركيبتها الفكرية رواية تستحق الإعجاب والإشادة. وهي - أيضاً - تشكل في لغتها المتميزة، وصورتها الشعرية الحاملة لأحاسيس فياضة صادقة، والمتدفقة بالمشاعر والانفعالات المتباينة والكاشفة لأسرار النفس الإنسانية في جميع أزمنتها إبداعاً شعرياً فنياً متكاملاً. وهي - أيضاً - ترتكز في جملتها على تاريخ له حضور متميز في ساحتها العربية، تعالج قضاياً ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية في وطننا العربي، وهي تحمل بين طيّاتها رغبات التغيير والرفض لبعض الثوابت والمعتقدات الباطلة.

أمّا رواية الحمد على أنها تنبع من الفكرة نفسها - الاعتماد على الذاكرة - وتصدر من روح فلسفية كاشفة لأغوار النفس والمجتمع، ومقيمة حدوداً صارخة من التحديات أما مسلمات المجتمع وحقائقه الوهمية إلا أنني حقيقة لا أستطيع أن أضع الحمد في قائمة الروائيين الذين تجتذبك أعمالهم، ولولا بعض المواقف التي يتجاوز فيه الحدود الجغرافية للمحرمات الثلاث (الدين - السياسة - الجنس) لما اقتنيت أعماله أو قرأتها، فرغم الاتجاه الواقعي المسيطر على أعماله بدءاً من «العدّامة» ومروراً «بالشميسي والكراديب» حتى نصل إلى روايته «جروح الذاكرة» فإنك - في هذه الرواية خاصة - تجد خلخلة في بناء الشخصيات وعدم وضوح في تركيبتها الاجتماعية والنفسية، ويكفي أن تلاحظ بعض الأسماء لبعض الشخصيات فتجد أنها أسماء غير منطقية مثل (سعيدان الطرطعانة - وإبراهيم الدردغانة - وعلي الدرو) بحيث لا تتفق تلك الأسماء مع الاتجاه النفسي الواقعي للرواية، ولو أردنا مقارنتها بأعمال القصيبي والأسماء التي يطرحها لوجدنا اختلافاً كبيراً من حيث إن روايات القصيبي خاصة (العصفورية، وأبو شلاّخ البرمائي، وسبعة) تعتمد تركيبة خيالية تخرج بالمتلقي إلى عالم جديد غير متوقع، وإلى بحث معلوماتي غير صحيح تمتزج فيه الحقيقة بالخيال. إلى جانب ذلك فإن الحمد يعتمد على مبدأ الصدفة في أغلب رواياته وفي روايته الأخيرة هذه يتضح ذلك وللقارئ الكريم الرجوع إلى ص 139 من الرواية ليتبين في موقف واحد دور الصدفة، ولا شك أنّ الصدفة مما يفسد البناء الدرامي للعمل ويقطع على المتلقي خيوطه الفكرية المتواصلة مع العمل الروائي. ويتضح لي فما قدمه الحمد في رواياته التي ذكرتها آنفاً الاهتمام البالغ في عملية (الغثيان) وكان الأجدر به أن يسمي هذه الأعمال بالروايات الغثيانية، إلا أنّ جان بول سارتر سبقه إلى هذا الاسم في روايته المعروفة «الغثيان». ولعل ما تحمله رواية سارتر من مذهب وجودي معروف أنف بالحمد أن يهتم بهذا الاسم الأجدر برواياته. ولعلّ ما أشير إليه تلك المقارنة الغريبة التي كتبها أحد النقاد (1)، حيث قارن بين ثلاثية الحمد المعروفة وثلاثية نجيب محفوظ «بين القصرين، والسكرية، وقصر الشوق» وحقيقة لا أعلم من المظلوم أهو نجيب أم تركي؟

وعوداً إلى رواية الحمد «جروح الذاكرة»، فهذه الرواية تعتمد في بنائها الفني على شخصية رئيسة واحدة هي شخصية «لطيفة» ومن خلالها يحاول الحمد أن يبرز جوانب نفسية للشخصية العربية التي تعيش داخل المحيط النجدي مبرزاً كثيراً من العيوب التربوية والاجتماعية المتعلقة بالفرد أولاً وبالمجتمع ثانياً. وعجيب جداً أن يكون الهدف هو إبراز العيوب فقط دون النظر إلى حسنات هذا المجتمع بالمقارنة مع غيره فلا أتوقع أن يكون مجتمعنا إلى هذه الدرجة من الوقاحة إمّا انحرافاً كاملاً أو تزمتاً كاملاً أو بحثاً عن المادة والشهوات فقط، ولذلك أتصور أنّ الحمد بحاجة ماسة لتغيير قناعاته حول هذا المجتمع بالنظر إليه نظرة منصفة، فمجتمعنا مهما قيل فيه ومهما برز فيه من اتجاهات أو انحرافات يظل مجتمعاً مسالماً متوسطاً في كل شيء. والحمد - كذلك - يعتمد على شخصية «لطيفة» ليكشف جوانب عديدة من حياة المرأة في مجتمعنا مبرزاً ما تعانيه من وصاية من أبيها أولاً أو أخيها ثمّ من زوجها ثانياً وبعد ذلك ولدها وهي رغم ذلك لا تستطيع أن تكون وصية على نفسها، وهذه النظرة تخالف النظرة الشرعية للدين الإسلامي لوصاية المرأة على نفسها. وهو يحاول أن يقارن بين المجتمع النجدي /السيئ والمجتمع اللبناني/ الجيّد من خلال موقف «لطيفة» ورغبتها أن تسافر إلى لبنان بعد أن شعرت أن لا أحد عندها في بلادها فكلّ له فكره ورأيه فيجب عليها أن تسافر إلى حيث من تتفق معهم بالرأي والفكر. وفي تصوري أنّ المرأة هي المسؤولة عن وضعها الاجتماعي؛ لأنّ المرأة من طبيعتها الاهتمام بالجزئي والشكلي والمادي دون أن تتجاوز ذلك، ولو أريد منها التجاوز لما رغبت لأنها جُبِلت عليه.

ورواية الحمد كذلك تنحو منحاً وصفياً مملاً بل يصل الوصف أحياناً كثيرة إلى درجة من العامية والوضوح الباهت الذي لا يبعث الضوء الجميل بل يعكس أشعةً لا نور فيها، وهذا الوصف يعطل كثيراً من درجة الحوار، وحقيقة لم يلفت نظري حوار جميل أو متدفق الموضوعية مثل الحوار الذي جرى بين (بدرية ومشاعل) داخل المطعم بحضرة والدهما وصحبة أخيهما خالد ص 122، أما باقي الحوارات فهي عادية بل بعضها يصل إلى حد الإسفاف مثل ذلك الحوار الذي جرى بين «لطيفة» بطلة الرواية وبين «هيفاء» في مشفى الأجنحة المتكسرة (تذكر جبران خليل جبران) حول آدم وحواء والله.

وأخيراً كان بودي أن يعرض الحمد روايته على مصحح لغوي حتى لا يقع في أخطاء تافهة لا تقع من صغار الكتاب فكيف بالحمد الذي يعدّ من كبارهم وانظر ص 268 عبارة (كان يصف علي وأبيه). وانظر ص 226 .

- شهادات :

في لقاء عابر جمعني بالروائي السعودي يوسف المحيميد، قال : إنه كتب إحدى رواياته (إن لم تخني الذاكرة فهي القارورة) في ثلاث عشرة ليلة، وفي لقاء آخر جمعني بالشاعر الناقد حامد عقيل الثبيتي قال : إنه كتب روايته الرواقي في إحدى عشرة ليلة. لعل هذا يدل دلالة ضمنية على أن الرواية السعودية لم تكتب وفق رؤية روائية عميقة، وأن كتابة الرواية اتجهت إلى كونها نتاجا أدبيا مستسهلا، بل هي في الحقيقة تتقاطع مع مفهوم (الحكي) والحكواتي الذي يجتمع الناس من حوله فيسجلون كلامه ليكون رواية. ومن هنا أصبحت الرواية السعودية بسبب ضعفها وهونها أشبه ب (أدب الأميين).

(1) انظر ما كتبه حميد لحمداني في مجلة البحرين الثقافية عدد 28، إبريل 2001م ، ص 20 .

البحرين
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة