Culture Magazine Thursday  11/02/2010 G Issue 298
فضاءات
الخميس 27 ,صفر 1431   العدد  298
 
فوضى الكلمات
سعوداليمني

لا أدري أي ثقافة يحملها جيل اليوم !.. حاولت أن أفهم مكونها وقالبها وحتى لباسها فلم أستطع.. كثيرة مزدحمة تلك العاديات على عود هذا الجيل الذي يتناثر حوله كل عابر أتى إليه طوعا أو كرها.. فلا التعبير عنده استقام ولا العبارة دلت.. وباتت اللغة لديه بحاجة إلى ناقل مستأنس..

إننا أمام حالة فريدة من نوعها كحالة أحلام مستغانمي في حواسها الفوضوية.. أجل أنها فوضى المفردات تتناثر يربطها خيط من الفهم المتبادل مع الأقران.. فلا تجد إلا جملا تعبر كالريشة في يوم ريح لا تحملها حتى النسمات في حديث نزار الفوضوي لمحبوبته.. ولا حتى لص الشاعر البردوني حين دخل عليه بلا استثارة.. هي لغة لا تحدث أثرا بل تسافر في كل ما طرأ.. ما باله يلفظ العبارة دون استثارة تبحث عن مستقر لها فلا تجد إلا أذنا غير واعية، فلو كانت أذن بشار بن برد لحمدنا الله على ذلك.. فقد كان في الزمن الجميل كفيفا يعشق بأذنه.. فحمل إلينا أعذب الألحان..

.. أما وقد أثقلتك أوزان الطارئات على الحياة.. وأعيتك تكاليفها.. وأصبحت مفرداتك جراها هشيما تذروه الرياح.. لا تحمل في ثناياها أي وزن لدلالة حسية تخالط ذلك العميق.. وأبدلتنا حزنا على الجميل فغربته، وعلى المستأنس فوحشته، وعلى الرداء الذي ألبسه الرسول على كعب فأسقطته..

أما وقد صرت تنتقل من بلد ناء إلى بلد.. ولكن بغربة مستحدثة تبقى هناك وأنت هنا.. لا كغربة الجواهري.. يبقى هنا وهو هناك.. فإني لا زلت أنظر خلف ما ترك الطارئ.. لعلي أجد فيه أملا ينفض آثاره العبثية.. أبحث في مفردات الخطاب لاهثا وراء نعت جميل أو مضاف إليه ما انفك من مضافه، أو حتى فاصلة منقوطة كانت أو غير منقوطة.. ربما يحدث هنا أو هناك باعثا الأمل بإفاقة تلوح في الأفق.

يا ثقافة أتت إلينا مع أكشاك مطاعم عابرة للقارات، وفي حقيبة سفر طوافة، وفي ثنايا لوحات المتاجر، وفي أوني الكسل..

ربما أحدثت فينا أثرا..، وألنتنا بسطوة الضوء ومهارات التعدد والرجوع.. ربما طوعت ثقافتنا كرها بفضل ناقلك القادم من بعيد أحدثت به فوضى على شفاهنا..

فعلت كل ذلك على أسماعنا وأبصارنا وكلنا حينئذ ينظرون.. وارتضينا طائعين لك أن تمطرينا صباح مساء بكلمات ليست كالكلمات.. فلا العبارة استقامت مع ذلك الصباح، ولا الجمل تركبت في ذلك المساء.. وما اللهث على الحاجات إلا لحاجة انقضت لمتغير لم يتغير منه شيء على رأي المثل الفرنسي..

نعرف أننا نبدأ بالحديث مع المتورم فنرى سطوتك وبأسك الشديد.. ونرى عجزنا وقلة حيلتنا.. ونرى غربتنا في حضرته وحضرتك.. رغم ما حملنا إليه معنا من مقامات للحريري، ومفاعلات للخليل بن أحمد، وحتى بعضاً من جنوح عمر بن أبي ربيعة.. وحين لم يقبلنا ولم يأخذ منا شيئا أتيناه طائعين حتى بشعر مظفر النواب لنضحكه وبأبي نواس لنؤنسه.. ولكنه عيي.. وعلينا قوي.. وبكم أيها القادمون حليم رضي..

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة