Culture Magazine Thursday  28/10/2010 G Issue 321
ترجمات
الخميس 20 ,ذو القعدة 1431   العدد  321
 
برامج كمبيوتر تنظم الشعر.. وشعراء يحولون مانشيتات الصحف إلى قصائد..
المشهد الشعري الأمريكي عبثي وفوضوي وفصائلي
حمد العيسى

هذه كلمة الشاعرة الأمريكية د. كاثرين كولس التي ألقتها في (مهرجان الشعر العالمي) الـ 41 في روتردام (هولندا) في يونيو 2010، ونشرت على موقع (مؤسسة الشعر العالمي) (بوتري إنترناشينال فاونديشن) على النت مؤخرًا Poetry International.

الشاعرة كاثرين كولس (أستاذ مشارك) للغة الإنجليزية في جامعة ولاية يوتا الأمريكية، أصدرت روايتين وثلاثة دواوين شعرية آخرها في 2001 بعنوان (السنوات الذهبية للبعد الرابع).

ونلفت النظر إلى أن كولس تقدم في آخر كلمتها اعترافًا خطيرًا عن سبب تلميع بعض الأدباء الأجانب (شعراء وروائيين) في الغرب بعد (ترجمة) أعمالهم، وهو أنهم في الأساس يقدمون بلادهم للغرب بصور سيئة وسلبية عن طريق البوح الفضائحي وكسر التابوهات لثالوث: الجنس والسياسة والدين، وهذا ما يرغب به المتلقون في الغرب من ساسة وقراء على حد سواء؛ لأنه يثبت تفوقهم أو على الأقل عدم نفاقهم في أمور الأخلاق وغيرها.

ووضعنا هوامش بعد الكلمة لشرح بعض المصطلحات الخاصة بالمشهد الشعري الأمريكي.

المشهد الشعري في الولايات المتحدة منقسم إلى: فصائلي، وجدلي، ونشط، ومتقد، ومضجر، وغالبًا مستفز، بل وأحيانا جذاب ومثير للاهتمام، تحركه أحيانا قناعة جمالية، وأحيانا قناعة سياسية، بل وأحيانا حتى الشعور بطعم الكلمات على اللسان. إنه ذكي، وغبي، ومليء بالأفكار، ومتخم بالمفاجآت. إنه يرتفع فوق التضاريس، واللهجة، والحدس. هناك شعر لكل موهبة، وفصيل لكل شاعر.

ولكن أولاً، مرة أخرى، إنه فصائلي في المقام الأول، ويقدم فصائل متصارعة للشعراء الشعبويين والنخبويين، واليساريين واليمنيين، وحتى الذين يرفضون الأيديولوجيا. وهناك مكان للباحثين عن الاهتمام والناسكين، والاجتماعيين والغلاظ، وشخصيات مسكينة مثل بلانش دوبيس أو شريرة مثل ديرتي هاري. ويشمل المشهد الشعراء الذين يطرحون أنفسهم (بنجاح أم لا) بقوة داخل التقاليد وأولئك الذين يسعون إلى التحرر من التقاليد. ويشمل المشهد الشاعر الثرثار والشاعر الصموت (قليل الكلام)، وهناك الشعراء الذين يقلدون الاتجاه الألماني، وأولئك الذين يتحدثون إلى حد كبير باللاتينية. وإذا لم تجد في كل هذه الفصائل ما يناسبك يمكنك اختراع فصيل خاص بك.

أحيانًا، أطالع عمل شاعر ومن ثم أتأمل ماذا يطلق على نفسه أو نفسها، وأشعر بالدهشة. القائمة تشمل جميع الألقاب السابقة، هناك لقب ومسمى لكل جندر (نوع الجنس: ذكر أم أنثى) وهوية عرقية، وأكثر من ذلك لدرجة أنني نسيت أو لم أسمع ببعضها من قبل. لدينا شعراء يمكنهم تحويل مانشيتات الصحف إلى قصائد شعرية ثم يطبعونها في ديوان. وهناك شعراء يجتهدون في مسح وتغيير بعض الكلمات في قصائد الشاعر الراحل ميلتون ثم نسبها إلى أنفسهم.

«شعراء لانوغج» (1) أصبحوا الآن مغروسين في المؤسسة، أو في أية مؤسسة على أية حال. وعلى الخطوط الأمامية، على الأقل في الأسبوع الماضي، كان لدينا مؤتمر لشعراء حركة فلارف(2) Flarf، وهم شعراء صمموا برامج كمبيوتر لتكتب الشعر نيابة عنهم بينما يشربون البيرة ويقضون بعض الوقت الممتع مع صديقاتهم في البار.

أنا أحب النشاط والحركة، وعندما أنصت أشعر بدندنة وهمهمة وطنين في الهواء، كما لو كان في كل (بدروم) في المدينة شخص يكتب، أو يبتكر نوعا جديدا من الشعر. ولكن هل أرغب في قراءة معظمه؟ أو حتى الجلوس في نفس الغرفة مع شخص يقرؤه؟ كلااااا، بحق السماء!!!

ولا أريد - بحق السماء أيضا - أن أنسى أن هناك نسبة ثابتة - لا تسألوني عن مقدارها - للشعر الجيد مقارنة بالسيئ. هذا صحيح في مجال العلم - كما قال أينشتاين - وأعتقد أنه ينطبق على الشعر أيضا. وإذا كان ذلك كذلك فإنه كلما كُتب شعر أكثر فإننا على الأرجح سوف نحصل على شيء جيد بما يكفي لنخلع قبعاتنا تحية له مهما كانت فصائلنا الشعرية. أنا لست متشائمة، كما قد تظنون، وأعتقد أن هناك في مكان ما يجري ابتكار أفضل شعر جديد، وما بعده وما بعده، وآمل في نهاية المطاف أن يأتي شيء مناسب لهذا العصر، وآمل أن أعرفه عندما أراه.

بالطبع، هذه الحالة من الفوضى والعبثية لا تحدث فقط هنا في أمريكا، وأنا أتكلم عن الولايات المتحدة لأنه طُلب مني ذلك، وهذا ما أعرفه. الشيء المؤسف: كم هو قليل ذلك الذي نعرفه نحن هنا في أمريكا وأنتم هناك في الخارج عن بعضنا بعضا. هنا، بعضنا من الذين يقرؤون قليلا خارج فصائلنا الصغيرة الخاصة قد نعرف الشعر الإنجليزي فقط. وربما، بخلاف الترجمة، قد يتقن البعض لغة أجنبية أخرى، ولكن لا شيء مدهشا ورائعا مثل شخص متعدد اللغات كوعاء كبير يحتوي على مزيج من الشعر بلغات مكونة من كلمات من جميع أنحاء العالم؛ ولذلك لا ينبغي أن نفاجأ إذا كان الناس الذين تفصلنا عنهم محيطات ولغات غريبة ليس لديهم سوى فكرة بسيطة وسطحية عنا وعن هويتنا، أو وجهة نظر متأثرة - مثلنا - بمناورات السياسة وبالأفكار المسبقة، التي حددها شعراء نالوا جوائز نوبل أو جوائز دولية أخرى وأولئك الذين ترجمت أشعارهم ربما ليس لأنها تمثل ما يحدث في بلدهم ولكن لأنها تقدم لبلدان أخرى فضائح وتكسر تابوهات يحبون قراءتها عنهم وفيهم بالفعل. ونحن جميعا نعرف من هم. هذا يحدث لشعركم في بلدي، ولشعرنا في بلدانكم.

عن بعد، أظن أننا بوصفنا شعراء أمريكان نمثل كتلة متفاهمة. ولكننا لسنا كذلك ولا نستطيع ذلك؛ فنحن نفس الناس الذين انتخبنا جورج دبليو بوش ثم باراك أوباما، ونحن نفس الناس الذين نكره تشريعنا للرعاية الصحية لأنه (اشتراكي) ونكرهه لأنه لا يقدم نظاما موحدا للدفع. لا نستطيع لومكم لأنكم مشوشون؛ فكما قال (الشاعر) ويتمان: (نحن كشعب نتكون من تعددات).

لذلك أظن أن مشهدنا الشعري كما نراه (كما أراه) لا يشبه المشهد الأمريكي كما يبدو لكم. وبالفعل، فإنه يبدو لي مختلفا عنه بالنسبة لجيراني، كل واحد منا ينظر من خلال عدسات ممارساته وتجاربه الخاصة. بالنسبة لصديقي (شاعر لانغوج): شعرنا هو (شعر لانوغوج) فقط ممثلا في مايكل بالمر وسوزان هاو ولين هيجينان وكريستشيان بوك، ولا تقلقوا لكون الأخير كنديا ومخربا (شعر لانغوج)!! وبالنسبة لصديقي الشاعر (الشكلي) (المتمسك بالشكل)، شعرنا هو فقط شعر مارلين هاكر، وآني فينش، وريتشارد هوارد ومارك ستراند، ولا تقلقلوا لكون ريتشارد ومارك (غير شكليين)!! ولكن هل تعتبرون مارك ستراند (شكلياً)؟؟؟ الليلة الماضية سمعت كارين فولكمان وهي شاعرة صغيرة بعض الشيء تعيش في ولاية مونتانا تقرأ الشعر. ديوانها الثاني يحتوي بالكامل على شعر النثر فقط، والثالث يتكون تماما من السوناتات. ما فصيلها الشعري؟؟؟ سأخترع لها واحدا من عندي: (ماغباي) magpie (نوع من الطيور يسمى بالعربية (العقعق). (شاعرة ماغباي) تلتقط أي شيء يأتي في متناول منقارها، وتسرق أعشاش الآخرين بتركيز مشتت.

لا أقصد أن ينقلب موقفي، على الرغم من أنني أعني عمل تنوير. أعضاء كل واحدة من فصائلنا والجماعات الصغيرة المسيجة داخلها جادون إلا إذا كانت وجهة نظرهم ألا يكونوا كذلك، وفي هذه الحالة يكونون (جادين في عدم جدهم). لكنني لا أريد أن أدعي حتى لو كان ذلك مغريا أن الشعر الأمريكي يمكن تمثيله بفصيلين أو ثلاثة أو نصف دستة من الفصائل في فوضاه وتنوعه، وتفاؤله الغريب، وأحيانا مزاجه السيئ، شعر الولايات المتحدة يعبر عن أمة أمريكية كبيرة مدموجة بكل شكل من التعددية: جغرافية، عرقية، لغوية، سياسية، إلخ. فكل شيء وأي شيء ممكن هنا!!!

إنه ليس مطلقا ما أريده أن يكون بالضبط!!!

وهو ربما بالضبط ما أريده أن يكون!!!

شكرًا لكم.

* * *

هوامش:

(1) (شعراء لانوغج): تيار شعري سمي باسم مجلة (لانوغوج) (لغة). وهم مجموعة طليعية في شعر الولايات المتحدة بزغت في آخر عقد الستينيات وخلال عقد السبعينيات من القرن المنصرم. كانت نقطة تطور شعرهم عندما ركزوا على (الأسلوب)، خاصة عند غريرترود ستين، ولويس زوكوفسكي. ويعتبر (شعراء لانوغوج) حاليًا ممثلين لتيار (ما بعد الحداثة) الشعرية.

(2) (شعر فلارف) FLARF POETRY: يمكن أن يميز بأنه تيار شعري عبثي مخرب يهدف لهدم تقاليد الشعر الراسخة. برز في آخر القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين. ركز رواده من الشعراء البارعين في برمجة الكمبيوتر على مبدأ الإبداع القبيح لكتابة كل شكل (غير مناسب) و(غير لائق) شعريا بهدف هدم فكرة الشعر التقليدية. استعملوا محركات البحث على الإنترنت، خاصة (غوغل) للبحث عن كلمات عشوائية وغير منطقية ويتم عمل كولاج ترقيعي لها ومن ثم تصفية النتائج لينتجوا قصائد عبثية وهزلية ومزعجة للقراء والشعراء والنقاد. وكلمة فلارف FLARF مقتبسة من دمج مختصر لكلمتين هما:FLUFF أي (غلطة) وBARF أي (قيئ)؛ ليكون معناها المقصود تقريبا: (قيء غلط) أي كلام فارغ. ويقول غاري سوليفان الذي كتب أول قصيدة فلارف إنه كتبها كنكتة ورد فعل ساخر على المسابقة الأزلية ل (أفضل قصيدة) التي أعلن عنها بكثرة موقع (شعر دوت كوم) Poetry.com الأمريكي حتى شعر بالاستفزاز وقرر أن يهدم تقاليد الشعر مستعينا بقدراته الفذة على البرمجة ليثبت أنه الأفضل حتى لو لم يفز بتلك الجائزة. وقد صدرت بالفعل عشرات الدواوين لشعر فلارف وكتب عدة لأنطولوجيا شعر فلارف، وصار لها جمهور ينتظرون صدور كتبها لمتابعة تطوراتها الشعرية القبيحة.

د. كاثرين كولس
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة