Culture Magazine Thursday  02/06/2011 G Issue 344
أوراق
الخميس 30 ,جمادى الآخر 1432   العدد  344
 
تقزم المرأة السعودية ليس طوعيا
د. نجاة محمد سعيد الصائغ
-

كتب سعادة الدكتور مسفر القحطاني موضوعاً غاية في الأهمية بجريدة عكاظ صفحة الدين والحياة يوم الخميس 2/ جماد الأولى/ 1432هـ بعنوان «المرأة السعودية والتقزم الطوعي في مشاريع النهضة» وحدد هذا التقزم في ثلاث جوانب كانت على النحو التالي:

1/ الحراك الفكري للمرأة في النقد ومناقشة العقل والخطاب الديني.

2/ بعيدة عن صناعة الفكر فيما يتعلق بالمطالبة بحقوقها.

3/ لم تقدم المرأة السعودية أي مشروع أصيل للساحة الثقافية سواء كان من الجانب الثقافي أو الجانب الديني أو الوضع المعاصر.

وتناول في الموضوع نفسه أحد أهم أسباب ضعف إنتاج المرأة السعودية في الجانب النهضوي للحركة الثقافية، كما أنه استرسل بكلمات رائعة لدعم المرأة نحو الحراك الفكري الذي يمكن أن يحقق لها المكانة التي تليق بها.

وقد أعجبت بالطرح الراقي والموضوعي وما دفعني للكتابة في نفس الموضوع أنه طرح في مرحلة الإصلاحات التي لم تنل منها المرأة شيئاً وهذا يؤكد أنها إلى هذه اللحظة لا ينظر إليها كنصف المجتمع الذي يمكن أن يساهم في الحركة التنموية بصورة دافعة للتقدم لهذا الوطن.

ما أريد قوله لكل من يعتقد أن تقزم المرأة السعودية هي سببه أقول إن غياب المرأة ليس طوعيا بل هي مجبرة عليه لذا هي تبحث عن المساحات التي يخدمها فيها مالها الخاص والذي لا يمكن لأحد أن يسيطر عليه وأعطاها مساحة الانطلاق الواعي بتخطيط ودقة ورقي كما يحدث في حراك منتدى السيدة خديجة بنت خويلد المنبثق من الغرفة التجارية الصناعية بجدة والذي تديره نخبة من النساء السعوديات سيدات الأعمال وكان آخر أنشطتهم حراك ثقافي رصد ضمن منتج ثقافي ويحسب لحراك المرأة السعودية في مجال التقدم النهضوي للبلاد.

وسأضع بين يدي المثقفين المهتمين بوضع المرأة في الوطن والقراء أهم أسباب ضعف إنتاج المرأة السعودية الثقافي في مشاريع النهضة، خارج نطاق الإنتاج العلمي الذي تتساوى فيه المرأة والرجل في الحصول على الدرجات العلمية كالماجستير والدكتوراه حيث أن العدد متساوٍ بين الجنسين ويتفاوت فيه التميز بين الطرفين في جميع التخصصات المتاحة للمرأة والرجل على نفس المستوى، عدا التخصصات التي حجبت عن المرأة، وأرفف مكتبات الجامعة مليئة بهذا الإنتاج الذي لو تم تحويله إلى كتب لتساوت المرأة والرجل فيه.

أولاً: العقل النسائي السعودي مشهود له بالاتزان وقبول التغيير والالتزام الواعي بقيم وتعاليم الدين الإسلامي ورغم ذلك لم تمنح المرأة حق تأسيس الملتقيات والمنتديات والجمعيات الثقافية ولا تزال ترفض وزارة الثقافة والإعلام هذا الإجراء حتى يومنا هذا وتدرك المرأة السعودية أن هذا يتجاوز موافقة وزير الثقافة. وهذا الرفض يعيق المرأة في تبني أي مشروع يرتبط بحقوقها التي تطالب بها وتخرج بصورة فردية عبر بعض أقلام المثقفات في وسائل الإعلام المختلفة ومن أهم هذه المشاريع مشروع مدونة المرأة السعودية.

ثانياً: لا يجد منتج المرأة السعودية الفكري الثقافي من يتبنى طباعته ونشره من دور النشر ولا يوجد في الأنظمة العربية جميعها جهاز يدعم الإنتاج الفكري للرجل والمرأة، لذا فكثير من الكتب لا تزال مسودات في أدراج مكاتب الكتاب والمثقفين لأسباب مادية وفكرية يدركها كل مثقف في هذا الوطن.

ثالثاً: ليست كل امرأة سعودية قادرة على تكاليف النشر، أو تكاليف السفر للبحث عن الجهات الأقل تكلفة للنشر، كما أنه ليس كل امرأة قادرة على إقناع من حولها بما تنتج ليساعدوها في مشروعها الثقافي، ولو دقق في المنتج المنشور للنساء السعوديات هو لكاتبات ومثقفات من طبقة معينة يمكنها إخراج عملها على حسابها الشخصي ويمكن أن تجاملها دور النشر مجاملة لأسرتها.

رابعاً: لا تتبنى الأندية الأدبية الإنتاج الثقافي بمختلف أنواعه فهي تسعى لنشر نوع واحد من الثقافة «الأدب» وأيضا هي فقيرة في نشرها ورؤساء الأندية لا يهمهم الفكر بقدر ما يهمهم البقاء في رئاسة النادي، ولماذا يتبنون موضوعا نهوضيا يتعلق بوضع المرأة في المملكة مثلاً.

كل ما ذكرته هي وقائع بعضها كنت ضمن حراكها شخصياً فالكاتبات والمثقفات السعوديات لديهن طموح كبير لحراك ثقافي نهضوي يتناول وضع المرأة السعودية السلبي والإيجابي للخروج بصورة تظهر المرأة المسلمة في عصر النبوة في صورة المرأة السعودية، وهناك نشاط ديناميكي بين المثقفات والكاتبات في جميع مناطق المملكة لكنه بين حين وآخر يتعرض لعثرات تجبره على التوقف، جزء من هذا التوقف جاء في مقال الدكتور مسفر وهو أن مساواة المرأة للرجل وممارستها دورها الحيوي في نهضة المجتمع يؤدي إلى ضياع الهوية والذوبان في الآخر وهذا رأي الغالبية خاصة من رجال المؤسسة الدينية وكلنا يعرف أنها المؤسسة المشاركة في اتخاذ القرارات المفصلية في الوطن. ومن تجاربنا التي فشلت في الحصول على الموافقة لتسجيل نشاطنا تحت مظلة وزارة الثقافة والإعلام تقدمنا (13) مثقفة وكاتبة بطلب لوزير الثقافة و الإعلام بالموافقة على تسجيل (جمعية قمنا بتأسيسها ووضعنا لوائحها وأخذت كل ما يتطلبه المسار الرسمي لتسجيلها) وكانت أهدافها وخططها واضحة وهي في حد ذاتها مشروع حضاري وتنموي ونهضوي يرتبط بالمرأة السعودية لكنه رفض بخطاب لو أطلعت عليه لشعرت بمدى الاستخفاف بما تقدمه المرأة.

بقي أن أقول لسعادة الدكتور مسفر شاكرة تناوله لهذا الموضوع والقراء الكرام: لا تعاني المرأة السعودية قصوراً أو تقزماً ويعرف الجميع كما ذكرت حيث انطلقت من أضيق الفجوات التي أتيحت لها لتتصدر المكان.

إن العقل النسائي السعودي قادر على البناء الواعي في ظل تعاليم الدين وأعراف المجتمع المرتبطة بالتشريع الإسلامي وهو قادر على قراءة الحدث وتحليله وتفكيكه بدقة ورقي تليق بمكانتها وموقعها الجغرافي على سطح الكرة الأرضية وقيمة المكان الذي تنتمي إليه، وما يؤكد ما أقوله إن مجمل الأنشطة التي تقع تحت مظلة مؤسسات التعليم بكل مستوياتها تجد المرأة السعودية تتصدر القوائم مخترعة ومفكرة ، كذلك هناك السعوديات اللواتي تميزن بجهود ذاتية والآن هن يمثلن الوطن في العالم ويحملن قيم هذا المجتمع المسلم.

وهنا يمكنني القول إن معطيات المخرج النهضوي الذي ينتظره العالم من المرأة السعودية موصدة أبوابه بإحكام نتيجة رؤية أحادية تسيطر على مفاصل القرار فيما يتعلق بأحقية المرأة في المشاركة في الأنشطة التنموية والنهضوية في الوطن.

والمرأة السعودية حراكها لم يتوقف بل زاد أضعاف أضعاف ما كان عليه، وصحوة الفكر النسوي الحر تتطلب دعم صانعي القرار في منحها مساحة تستطيع من خلالها أن تتحرك وتطلق مبادراتها الوطنية النهضوية.

من سوء حظ المرأة السعودية أنه يساء فهمها داخل وطنها فما أن ينطلق صوت نشاز حتى يعمم على الكل.المرأة السعودية والمثقفات منهن يطرحن مواضيع ذات قيمة وأبعاد كبيرة لها تأثيرها على وضع المرأة وما تعانيه من تمييز وتهميش لكن أريد أن يفكر معي الجميع من أين ننطلق بمشروع كهذا وليس هناك مظلة له ينطلق من خلالها وهو يحتاج ما يحتاج من دعم وكيف يرفع من جهة غير رسمية إلى جهة رسمية وكيف سيقبل في آلية تسلسل أنظمتنا الإدارية ألا تجدون أن هذا أحد عوائق انطلاق العقل النسائي السعودي.

المرأة السعودية تناضل وتجتهد وتصاب بخيبة الأمل أحياناً ولكنها لم تتوقف أبداً، وما أعتقده شخصياً أننا لا زلنا في مرحلة تعبيد الطريق لجيل قادم يكمل بعدنا ما بدنأه، فالرمال التي نغوص فيها وعرة وتحتاج إلى وقت ليفهم من حولنا أننا نعيش الوطن بكل ما فيه ومن حقنا أن نكون جزءا فاعلا فيه.

-

+ * كاتبة وأكاديمية بجامعة الملك عبد العزيز

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة