Culture Magazine Thursday  09/06/2011 G Issue 345
فضاءات
الخميس 8 ,رجب 1432   العدد  345
 
الواقع الثقافي:أسئلة بلا أجوبة!
نورة القحطاني
-

تنطوي الحياة بجميع أشكالها على ثنائية الحضور والغياب، والسكون والحركة، ويمضي الناس فيها بين عالمين: أحدهما الواقع الأليم المليء بالبؤس والاغتراب والحسرة والظلم، والآخر عالم الخيال الذي تنهض آلية الحلم فيه لتحقيق الحرية والانطلاق - على عادة الرومانسيين - لإصلاح ما يمكن إصلاحه، أو رسم حدود المستقبل المنشود.

يحضر هذا المقال الآن في ظل غياب معاني الصدق وحرية الرأي في كثير من الدول العربية التي ما زالت تطالعنا الأخبار بمزيد من الثورات المقاومة للظلم؛ نزفت على إثرها جراح المظلومين، وأزهقت أرواح المناضلين، ولا شيء غير صمتٍ عربي أمام تدخل غربي، ربما لأنّ العرب منذ قرون اختارت الغياب عن الفعل الدولي المؤثر، واكتفت بحضور باهت في بعض المؤتمرات العالمية هنا وهناك، وربما بعضها اكتفى بحضور اسم دولته على خارطة العالم؛ اعترافًا بها من الدول الكبرى المتحكمة بمستقبل السياسة العالمية ناهيك عن العربية، و ما أن يحدث أمر جلل يهزّ العالم من شرقه إلى غربه حتى يظهر صوت العرب شاجبًا، ساخطًا، مستنكرًا، ولا ترى غير أصداء الأصوات المتناغمة أو المتنافرة ، فإن فتشت عن الفعل العربي عدت بهالة من السقوط في دوائر الغياب، أليس العرب «ظاهرة صوتية»؟!

وإذا أسقطنا الواقع السياسي العربي على الواقع الثقافي فهل سيختلف الوضع هنا؟ ربما نعم إن كنا نعيش في عالم الخيال ونسير بآلية الحلم للتعويض عن أوجاع الواقع، لن أفصّل الحديث هنا عن الأحداث الثقافية التي طالعتنا بها صحفنا في الأسابيع القريبة الماضية، ولكني سأطرح أسئلة تهمنا كمثقفين ومثقفات، وترسم مستقبل الثقافة الذي أصبح هاجس الجميع، وسأنطلق من ثنائية الحضور والغياب؛ على اعتبار أنّ كلّ حضور يستلزم غيابًا من نوع خاص، وكما تشير كتب اللغة أنّ « الجانب الدلالي يتأسس على علاقات استبدالية، هي علاقات الغياب، وعلاقات استتباعية وهي علاقات الحضور» وبناء عليه يغدو الوسط الثقافي فضاءً خصبًا للحضور والغياب، بين الخفي والجلي، و لنتساءل جميعا حول غياب أمور بمجرد حضور أخرى، وهو استفسار بقدر ما يعني من الدهشة لا يطلب جوابا، بل نكتفي بتأكيد السؤال لماذا ولماذا؟

- يصرح مسؤول ثقافي بوجوب العمل وفق الخطة الثقافية المعتمدة من الوزارة، ثم تغيب متابعة التنفيذ لتلك الخطط؟!

- توزّع ميزانيات عالية تصل إلى الملايين على الأندية الأدبية، ولا نرى أنشطة ثقافية متميزة توازي حجم هذه الميزانيات؟!

- يعلن أحد الأندية الأدبية عن إصدارات عديدة متنوعة تحت الطبع، وتفاجأ في نهاية الموسم الثقافي بتوزيعه لاثنين فقط من تلك المطبوعات التي لم تر النور بعد؟!

- تقام الملتقيات الأدبية والثقافية هنا وهناك، ويغيب الجمهور داخل القاعات لأنهم مشغولون خارجها بسماع أحاديث بعضهم أو بعضهن ؟!

- نختلف حول قضية ما - أدبية أو ثقافية - فيغيب الاحترام المتبادل، و تخرج الكلمات عن إطار الأدب إلى تبادل الشتائم والاتهامات؟!

- ندعي الليبرالية، ثم نختلف في الرأي إيمانًا بحق الاختلاف، ونصرّح على الصفحات الثقافية «الاختلاف لا يفسد الود» ومع ذلك لا نظل أصدقاء؟!

- تمتلئ مقالاتنا ومحاضراتنا بأهمية الحوار، وتغيب عنّا أبسط أدبيات الحوار مع الآخر المختلف؟!

- نستنزف أقلامنا في المنافحة عن حقوق المرأة المثقفة، وتضيّع تلك الجهود أنانية امرأة؟!

- يعيّن أحدهم لإدارة نشاط ثقافي دولي، فيغيب الحسّ الثقافي وتلعب المصالح دورها في اختيار الأسماء الثقافية المشاركة، أو العاملة، في ظل الأهواء الشخصية وبعيدًا عن مصلحة العمل، ولمَ لا إن كان الرقيب غائبًا ؟!

- تحضر قضايا ثقافية هامة ويدور النقاش حولها، ويشتد الصراع بين أطرافها، وتلتزم الوزارة الصمت لحلها، أو الحدّ من تكرارها مستقبلا؟!

- نعلن جهارا أنّ الرواية السعودية وصلت للعالمية، وما أن تحصد إحدى الروايات السعودية جائزة عربية أو عالمية حتى يخرج كثير يناقض ما قال ويشكّك في مصداقية تلك الجوائز، أو استحقاق صاحبها للجائزة، وقد يكون أحدهم تقدم إليها ولم يصل؟!

- يتولى أحدنا منصبًا ثقافيًا وقبل أن يبدأ العمل نتنبأ بفشله، ونحمّله أخطاءنا السابقة، ونحشد الاتهامات؛ لأنّنا ببساطة لم نعتد بناء النجاح بالتعاون، بل ننتظر منقذًا يحملنا إلى برّ الأمان؟!

- يحتشد المثقفون والمثقفات في كل مؤتمر، وتطرح المطالب وترتفع الأصوات، و تنطلق وعود المسؤولين لتخديرهم، ثم يمر العام ولم تنفذ الوعود، ويعقد اللقاء الثاني وكأنّ شيئًا لم يكن؟!

تلك التساؤلات حيّرتني كما حّيرت كثيرًا غيري، وإن ظلّت بلا أجوبة في ظلّ التراجع الثقافي الذي تعيشه الساحة هذه الأيام حدّ الوجع، فسيأتي علينا يوم نكتب أنشودة الموت، ونردّد بيت علي الدميني: « فلتصلّ علينا صلاة الغياب»!

-

+ الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة