Culture Magazine Thursday  12/04/2012 G Issue 369
مراجعات
الخميس 20 ,جمادى الاولى 1433   العدد  369
 
استراحة داخل صومعة الفكر
* قصائد راعفة
سعد البواردي

 

* د. إبراهيم محمد العواجي

* 92 صفحة من القطع المتوسط

شاعرنا العواجي اختار لديوان شعره العنوان الراعف.. أي ذلك اللون الذي يجمع بين النقيضين الورد والدم وكلاهما وجهان للحياة الضاحكة والباكية.. ومن في الحياة لا يضحك ولا يبكي.. ولا يجمع في معاناته بين ضحك كالبكاء.. وبكاء كالضحك في سخريته.. ماذا قال شاعرنا؟!

وبلونه الندي الوردي غنى للوطن الذي وهب الماضي هويته:

ماذا أقول إذا ما موطني جُرحت

فعاله البيض هل أشكو إلى العرب؟

وهم وشوم على أطلاله رسمت

مصوغة من هجير الشمس. والنصب؟

فلن ألوم بني جنسي لأن بهم

من لا يرى الشمس حين الشمس لم تغب

هؤلاء يا عزيزي أعمياء بصيرة. لا بصر.. ويخاطب وطنه:

يا موطنا رمله النفطي كان ثرى

لكل مغترب عنه. ومنقلب..

وشع من أرضه الإيمان وانتشرت

فنونه فوق وجه الأرض كالشهب

ويعود في عتابه.. ولومه متسائلاً:

ما بالها أرضي الشماء مائلة

في أعين البعض من أحفادها النجب

ما بالها هذه العذراء خائفة

في أعين البعض من مستلهمي الكتب

ألفت نظر شاعرنا إلى أن هذين البيتين يحملان إشارتي الاستفهام (؟) والتعجب (!).. أينهما؟!

حار النهى في دمي دهراً.. وما برحت

فلوله تبعث الإعياء في عجب

أكثر من الأعياء السخط.. إنه النكران لوطن هو بالنسبة إلينا الحياة بما تشير إليه الحياة من معنى.. وعن (سفاح بغداد) يقول شاعرنا:

أقسمت بالله ما هذا من العرب

ولا من الدين عن بُعد ومقترب

بل من بقايا تتار ضل عودته

واندس في رحمها لونا من الجرب

يوجه عتبه.. وغضبه لسفاح بغداد:

سفاح بغداد درب الظلم مقبرة

للظالمين. وسوط القسر من حطب

يا مشعل النار والأطماع غايته

خذها بكفك أرتالاً من اللهب

احترق بالنار التي أشعلها وبالقبر الذي حفره لغيره فقبر فيه.

شاعرنا المتجلّي يأسف على حلم صغير، عن أي حلم يشير..؟!

إنه حلم اللاهثين وراء السراب.. والخراب. والحراب. والدماء. والدمار. الحاقدون والحاسدون. والراقصون على الحبال.. والخادعون المخادعون. والبائعون لضمائرهم.. كل هؤلاء مدانون أمام محاكم التاريخ.. وأمام مساءلة الضمير.. إنه يقول:

أسفي على حلم الصغير

وقد تغشته الحراب

أسفي على روح الإخاء

على القضية والعتاب

سقط القناع عن النوايا

السود وانقشع النقاب

الحقيقة وحدها هي التي تبقى.. الزبد يذهب جفاء ويبقى ما ينفع الناس في الأرض.

(أنت يا سار بليل مظلم) عنوان له ما بعده من هموم:

لست أدري أي شيء نبتغي؟

هذه القدس طريق مشرع

أجهاد من يمزق بنية؟

بعضها يعطي وبعض يشفع

أجهاد من يحالف طغمة

قتلت طفلاً بريئاً يرضع؟

أنضال أنت تدري نهجه

أن يفرق صفنا أو يخضع

شاعرنا يتساءل، ولأن لكل سؤال جواباً فقد كفانا مهمة البحث عن الأجوبة الغائبة الحاضرة..

أكويت تل أبيب؟ أم عسى

أن الظهران درب أسرع؟

هل أصفق لغزاة هتكوا

عرض جاري. بيت جاري أودعوا

هل لنا يا عرب خلق آخر

فيه غزو الجار فعل أروع؟

ما عهدنا وحدة الصف دماً

إنه فسق أو نحن التبع!

فعلنا يشهد انا هاهنا

ديننا القلب.. ونحن الأضلع

إجابة كافية وافية. وشافية

أحلى العشق بر.. وأعذبه وفاء.. وأغلاه تضحية تتجاوز حدود الذات.. هذا عن الحب.. كيف به إذا كان لأعلى وأعز حبيب.. إنه الوطن في يوم عيده المجيد:

في يومك هذا يا وطني

عرس للقلب وللذكرى

أجناد العز مجنحة

تتسابق. تسألك الأمرا

كي تكتب يومك ثانية

بيد.. وتقاتل بالأخرى

وتواصل هجمة نهضتها

لتعانق أهداب الزَّهرا

يلامسه في حلم:

يا وطن الحق أيا حلما

يسري بدمي دفقاً حرا

سكن الإحساس، تملكه

وامتد بأوردتي جسرا

وينتهي به العشق الكبير:

قسم أن نقطع كل يد

تنسل ونبترها بنزا

كف تبنيك إلى أعلى

وأيادي تقتلع الشرا

قلب يحميك بداخله

وبيان يهديك الشعرا

وتستفز مشاعر شاعرنا العواجي تلك الذمم الرخيصة التي تُعرض وتُباع على رصيف الحرف:

ذمم تُباع على رصيف الحرب من ذا يشتري ذمماً تُباع؟

من كل لون. من كل صنف من صنوف الفكر من كل البقاع

في أي مدرسة. ومحزبة الأقوام مذاهبهم وساع..

يتظاهرون. وقد تناسوا الأمس في حمى الصراع..

مشهد حربائي عاشه شاعرنا.. وعايشه رفضاً واستهجاناً لأن شرف الكلمة لا يقبل التلوّن ولا التلوث ولا المساومة.

كسروا مرايا الفكر من أجل الدراهم والمراهم والنخالة والكراع

سرقوا رغيف الشعب باللغو المزيف. أشبعوه هراً يذاع

هتكوا عفاف العهد فانحسر اللثام عن النوايا السود وانكشف القناع

وينهي غضبته:

فليسقط الوهم الكبير. ليسقط الحبر المدنس.. واليراع

فليشتروا ذمماً تُباع وتُستباع. لن يشتروا من أرضنا ذمماً تُباع

وكان للقدس صرختها كما كان للتلوّن صرخته:

الله أكبر كم للقدس يا وطني

في النفس من جراح يدمي ويتقد

بكت طويلاً صلاح الدين تسأله

متى يعود؟ فما للعود يبتعد؟

تئن صخرته من فعل مغتصِب

معاول الهدم تهوي فوق من سجدوا

ويستصرخ الصمت.. والزعامات التي تجعل من مأساة فلسطين مجرد شعارات جوفاء..

الأدعياء زعامات مذبذبة

ولاؤهم صار عربوناً لمن نقدوا

يبدلون حليفاً مثل بزتهم

يعطون وعداً وما برُّوا بما وعدوا

والقدس في قبضة الجلاَّد يسحقها

وهم على البُعد ثرثار ومنتقد

القدس يا عزيزي في مهب العاصفة.. الخشية أن لا تعود.. حشرجة صوتها ما زال يبحث عن صلاح الدين آخر يطهرها من دنس المفسدين في الأرض وقطعان احتلالهم وهم يطوّقونها بمستعمراتهم.. ويهدّدونها بحفرياتهم.. ويحرفون تاريخها العربي إلى عبري.. ليست القدس وحدها المستهدفة.. كل فلسطين إنها في خطر..

(يا سارقاً اسمي.. ورقم هويتي)..

صرخة طفل من أطفال الحجارة وهو يشهد ما يجري بين متخاصمين فلسطينيين على ساحة شاتيلا وبرج البراجنة في لبنان:

لا أنت من قومي ولا أترابي

يا من يسيل دمي بحد حرابي

اختال في عرس الحجارة شامخاً

حتى أعيد إلى الحياة نزالي

وأعيد للأقصى طهارة ساحه

وأمد جسراً في طريق إيابي

وتمد أنت رماح عذرك كاشفاً

وجه العداء مكشّر الأنياب

يا سارقاً اسمي ورقم هويتي

لا أنت من ربعي ولا أجيالي

هذا يوم أن كان للفلسطينيين انتفاضة تُذكر.. صمتت الحجارة.. خزّنت في نفق المفاوضات المظلم والظالم.. والآن بدلاً من التناحر بين فلسطينيين في لبنان أصبح الصراع أكبر بين الضفة الشرقية وقطاع غزة المحاصر.. بين حكومة عباس.. وحكومة هنية بين فتح وحماس.. بين الجميع والجميع.. اليوم نترحَّم على الماضي أمام كارثة اليوم.. تأخذنا هذه المرة تأملات شاعرنا.. وما أحوجنا إلى التأملات في عصر انغلق فيه الفهم إلى درجة العقم والصمم..

كلما رمت فهمهم

زاد في داخلي العجب

أمم تزرع الهواء

ولذا تحصد السغب

تدّعي الوصل بدعة

وهي للبعد تقترب

كالشعوبي حينما

يرتدي حلة العرب

أو كما ملحد غبي

يدّعي الصوم في رجب

أكثر من تأمل لمتألم يشهد المتضادات والتناقضات من حوله صارخة مستفزة..

وإذا بان صادق زعموا أنه كذب

وإذا جدّ مخلص

همسوا: إنه ذنب

وهمو خلف ظله

غَنَم خلف من جلب

واذا غاب عنهموا

أعلنوا حالة الغضب

نمط من نفاقهم

ولهم ألف منقلب

أخيراً مع شاعر المتألق أبداً د. إبراهيم محمد العواجي في ديوانه (قصائد راعفة) يغلب على لونها الدم.. لون الورد يكاد لا يُذكر.. مع شاعرنا في آخر مقطوعاته الشعرية (خفّف الوطء) مذكراً إياي بمقطوعة شاعرنا الفيلسوف المصري:

خفّف الوطء. ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

هل إنها المحاكاة؟.. يبدو أنها هي على الأقل في فكرتها:

طاطئ الرأس يا سليل التراب

فغدا أنت عائد للتراب

وامش هوناً فأنت عابر درب

للقنا ثم ذرة أو ذباب

لا الغنى مثرياً ضميرك كلا

لا. ولا الجاه. أو أنيق الثياب

تتساوى خلائق الله موتاً

مثلما في ثوابهم والعقاب

خفّف الوطء. وافتعال التعالي

أنت تأتي على طريق الذهاب

وتذكر فإن في الذكر نفع

للمريدين من ذوي الألباب

وأخيراً يتساءل:

أين من أشعلوا الحياة غلواً

وتلاشى علوهم كالسراب

أين من ظن أنه كل شيء

وانتهى عمره كمر السحاب..

كلهم راح. جائر. وضعيف

بيد الموت. لا يد الأسباب

الأسباب يا عزيزي مقدمة للنهاية.. ورحلتنا الشيّقة معك أوصلتنا إلى النهاية.. شكراً د. إبراهيم العواجي على تأملاتك. وقصائدك الراعفة التي تمثِّل مرحلة بائسة من مراحل تاريخنا العربي المعاصر.

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة