Culture Magazine Thursday  16/05/2013 G Issue 406
قراءات
الخميس 6 ,رجب 1434   العدد  406
 
هذا الكتاب
هكذا قتلتُ شهرزاد
لمياء السويلم

 

في الزمن الثوري العربي، حيث أصبحت الأسئلة المليون عن حقوق المرأة مجرد سؤال وحيد معلق الإجابة، هل قضية المرأة أولوية شورية وحقوقية أم لا ؟ على هذا التوقيت تصدر جمانة حداد الصحفية والشاعرة اللبنانية كتابها « هكذا قتلتُ شهرزاد – اعترافات امرأة عربية غاضبة «، يقدمها الناشر - دار الساقي- كسيرة ذاتية، بينما القارئ الذي ينتهي من الكتاب يشعر أنه مر ببيان ثوري لسيدة عربية تحسم إجابتها على السؤال المعلق عن أولوية قضية المرأة اليوم، بكلمة واحدة حازمة لا تقبل التردد ولا المراجعة تحت أي ظرف سياسي أو اجتماعي « نعم قضية المرأة أولويتي «.

تقدم حداد للطبعة العربية من الكتاب بأنها الثورة التي نحتاج والثورة التي نستحق، ثورة المرأة العربية التي تعلن الكاتبة فيها للقارئ عن مجموعة ركائز للعقدة العربية التي تواجهها، ركيزة الدين في طريقة استخدامه وتوظيفه، وكل مايستتبعه من آفات الإيمان الأعمى، وركيزة الأنظمة الاجتماعية، كأنظمة تمييزية ترى في المساواة بين الرجل والمرأة هرطقة أو مزحة ثقيلة، ركيزة العنف العبثي والممنهج بانتظام على المرأة، ركيزة الأنظمة السياسية التي تعلي شأن الفساد والقمع والرداءة، ركيزة الثقافة النائمة في ركود المستنقعات، والتي لا تنهض إلا لتعزيز دساتير الجهل والفصام.

تتسائل الكاتبة إن كانت الثورات العربية اليوم في العالم العربي هي أيضا ثورات نساء ؟ لكنها لاتجد في البشائر التونسية والمصرية مايعد بالخير :

(في ظل الأنظمة العربية القائمة في معظمها على تجاهل حقوق النساء وانتهاك كرامتهن، متى تنتقل المرأة في العالم العربي من لازمة «أعطوني حقوقي» إلى صرخة «سآخذها بيدي» متى تؤمن بأن حقوقها هذه، ليست ترفا، بل أولوية؟ متى تصدق أنها لم تولد فقط لتتزوج وتنجب وتطيع وتختبئ وتباع وتخدم ذكور عائلتها ؟ متى تعي أن الحديث عن الديموقراطية هراء، بدون استتباب مساواتها مع الرجل في إطار علماني؟ وأن الحديث عن الحرية هراء بدون احترام حرياتها؟ وأن الحديث عن التغيير والتحديث هراء بدون النظر في وضعها وموقعها؟ متى تستشيط حيال الإهانات الهائلة التي تلحق بها وتهدف إلى إلغائها يومياَ، وفي المجالات كلها؟)

الشاعرة التي أصدرت في 2008 مجلتها الثقافية «جسد»، المشروع الذي عاش مخاضه في نفس سياق سؤال الأولوية عن حقوق المرأة، حيث الجميع أصدقاء مؤمنين بالفكرة أو ناشرين وزملاء عمل يحاصرونها بدائرة الانتظار للوقت المناسب الذي لم يحين بعد، لتجاوبهم هي، كسيدة لا تعرف إلا المواقف الحاسمة (ألا يُفترض بنا أن نخلق أو نخترع اللحظة المناسبة ؟ أي فضيلة يمكن أن نستنبتها لأنفسنا إذا اكتفينا بالانتظار ريثما تحل هذه علينا؟!).

الكتاب لا يبدو كسيرة ذاتية بأحداث متتابعة وبتفاصيل شخصية، فعدا عن الكتب المسروقة من مكتبة الأب والحرب اللبنانية الأهلية، لا يبدو ثمة مفاصل مرحلية في تاريخ الشاعرة المتمردة، يأخذ الكتاب شكل النصوص الأدبية الثورية، المشبعة بالغضب والحقيقة التي لا يعنى الكاتب بتجميلها بل يسعى أن يشهرها كماهي مكشوفة ومهتوكة الأسرار، وبينما تنعقد السير الذاتية على فكرة إعلان السر، لا يخرج القارئ من هذا الكتاب بسر جديد عن المؤلفة، تقول الفتاة التي كتبت شعرا إيروتيكيا في أول عمرها وأطلقت في شبابها مجلة الجسد، تقول عن تلك الأسئلة التي تحاصرها لماذا الجسد ؟

(لا فصل عندي بين مادة الحياة ومادة الكتابة: أي إن كل ماأعيشه تقريبا هو احتمال نص – كتب أو سوف يكتب -، مثلما أن كل ما أكتبه هو احتمال حياة – عشناها أو سوف تعاش -. عندما أكتب، أشعر بأنني أكتب بجسدي، وعليه، بأظفاري ومنها، وأن كلماتي تنفجر من مسامي وتنحفز على جلدي نفسه، إنها رحلة صيد شرسة وعنيفة ودموية بقدر ماهي مغامرة تأمل رقيقة وهامسة وخافرة)

قد يقول بعض النقاد بأن الكتاب لا يقدم أكثر من حالة سيدة غاضبة وحانقة على واقعها، وأن الاعترافات مجرد بندقية عصبية تطلق رصاصاتها في كل اتجاه، لكن الذي يجب التنبه له في كتاب «هكذا قتلت شهرزاد» أن الكاتبة تجمع بين أسلوبها كصحفية وكشاعرة، فالنصوص تجمع بين خفة ومباشرة اللغة الصحافية وبين إبداعية اللغة الشعرية ومسويقيتها، يمتزج الأسلوبان بتناغم جميل ومتسق، يردفهما التجربة الثرية للمؤلفة في الترجمة، مما يجعل القارئ لا يلمح لكونه بالأساس كتابا مترجما، فالكتاب صدر بنسخته الانجليزية وتجرمته للعربية نور الأسعد، لكن المقدمة الخاصة التي كتبها الشاعرة بلغتها الأم، تبدو الوجبة الأدسم بين بقية العناوين.

جمانة حداد التي تثور أولا على شهرزاد وتفترض قتلها لأنها ببساطة تقول للمرأة سايري الرجل، افعلي مايطلبه، امنحيه ماتملكين ليدعك وشأنك، هي ذاتها جمانة التي تبدي رفضها للحركة النسوية في أحد مراحلها حيث بدت عدائية وكارهة للرجل، إنها تفترض انتمائها إلى مرحلة مابعد النسوية، حيث تؤمن أن الاختلافات بين الأفراد أضعاف الاختلاف بين الجنسين.

الكاتبة التي ما إنفك الشارع العربي يقذعها بالأوصاف والنعوت السيئة، الشاعرة الإيروتيكية التي تؤمن بالحرية شرطا للوجود وليس غاية له أو وسيلة فقط، تدرك كعربية ترزح تحت سلطات السياسي والديني والاجتماعي أن المسافة بين حرية الفكر وحرية التعبير لم تكن سريعة، فقد وجدت نفسها بحاجة إلى مزيد من الوقت كي تحرر لسانها من عقدة الخوف الذي تثيره الكلمات.

هذا الكتاب ليس مؤلفا لامعا في الدراسات الجندرية أو النسوية، ليس هنالك منهجا محددا تلتزمه الكاتبة، وماهنالك نقدا وتحليلا نفسيا أو اجتماعيا مميزا، لكنه كتابا يقدم حالة إنسانية أقوى من كل ذلك، إنها التجربة الحقيقية لسيدة عربية حسمت موقفها من نفسها كإمرأة تجد الظلم ولا تخشى من الاعتراف بذلك، تجربة الصدق مع الذات ومع الند والنظير قبل الصديق والحبيب، إنها جمانة حداد التي لا تكذب على نفسها ولا تغش ذاتها بانتظار الوقت المناسب، لأنها تؤمن أن المناسبة زمانا ومكانا عمل يخلقه الإنسان بجهده، لا مجرد قدر يصادف أعمارنا.

«هكذا قتلتُ شهرزاد « كتاب لا يواري الحقيقة بأي لفظة ولا بأي كلمة، تكتب فيه الشاعرة حياتها كتجربة صدق لا تضاهى، ويصعب جدا للقارئ العربي أن يصادف مثلها في كتب أخرى.

lamia.swm@gmail.com الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 8789 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة