Saturday 23/11/2013 Issue 418 السبت 19 ,محرم 1435 العدد
23/11/2013

بعضهم تجاوزه لتجارب أخرى وبعضهم الآخر متمسك به

رواد تشكيل الحرف العربي بحثوا فيه عن الهوية ثم تجاوزوه

لا شك أن الباحث عن عالم الحرف العربي وإعادة تشكيله والتعامل معه بعيداً عن الجملة والعبارة وعن قواعده وأسس بنائه سيجد الكثير من المعلومات والخبرات وتعدد الأسماء، ومنها من سنستشهد به في موضوعنا اليوم كرواد للمدارس الحروفية في العالم العربي، مع الإشارة الى أن التجربة قد أخذت دورها وحقها وتغيرت مفاهيم كثير من هؤلاء تجاه اعتبار التجربة ضرباً من الخيال في أن تكون هوية للفن العربي لمحدودية التعامل معها وانتهاء مجالها في مساحة قصيرة، وذلك عائد الى أن الحرف أو تشكيله وصياغته من خلال الخط العربي أكثر قرباً إلى المتلقي من كونه الحرف شكلاً جمالياً، وقال الكثير من أصحاب تلك التجربة إن الحرف لوحده ليس به جمال إذا لم يشكل مع حروف أخرى جملة يمثلها آية قرآنية أو حديث شريف أو حكمة أو بيت من الشعر.

ومع هذا كله وما وصل إليه أصحاب تجربة تشكيل الحروف وإعادة صياغته تجريداً ورمزاً فإن تلك المرحلة تعد خطوة مهمة في الفنون التشكيلية العربية، ووضع أصحابها بصمة لا يمكن أن تزال أو تهمش، لكننا نتساءل عما يمكن أن يحدثه مثل هذا الغياب، في مرحلة تعصف بها فنون الغرب واتجاهاتها التي تسعى لغايتها في طمس الهوية وتهميش التراث وتعميم ثقافة العولمة.

اليوم نسلط الضوء على فنانين رموز أحببنا أن نستعيد بهم وهج فن الحروفية ومن روادها مباشرة منهم الفنان العراقي جميل حمودي أحد الرواد الذين اختزل الكثير مما أنتجته الفنون الأوروبيّة الحديثة من أساليب واتجاهات، وبدا بحثه عن خصوصية تمثل تراثه وقيمه الإنسانيّة، فكانت ضالته جمالية الحرف العربي، رأى فيها تعبيراً عن حضارته وقوميته، منطلقاً بها منذ عام 1942، بإدخال الحرف العربي في تجربة الفن التشكيلي الحديث، ببساطة جمع فيها بين تشكيل الحرف مجرداً من القوانين ومدارسة المعتادة نحو تحرك مرن يطوع به الحرف بمزجه بأسلوبه الحديث بالمعنى والجملة. أما الفنان أحمد شبرين/ من السودان الشقيق وأحد الأسماء المعروفة ذات الشهرة على المستوى العربي والعالمي فيقول في أحد أحاديثه الصحفية عن حروفيته إنها بنت السودان، بنت الخلوة، برزت كتيار تشكيلي في العام 1960م، وعند ذهابي إلى لندن للتخصص في الجرافيكس استعدت أيام الدرس في خلوة الشيخ إبراهيم الأصولي، في قرية القدواب التي ولدت فيها، كنت أجهز العَمَار وحدي، وأعدّ لوحي للكتابة، وفي لندن كنت استخدم الحبر الشيني بطريقة الكتابة في الخلوة، وحصل استدرار رؤى لما كنت أكتبه في لوحها، وبدأت دراستي للجرافيك تتشكل وفق ذاكرة الحرف، وعندما جئت إلى السودان، كنت وطلابي نناقش أعمالنا، وهنا فالحروفية مدرسة يعمل المعلم فيها مع طلابه في الوقت ذاته، وهذا شبيه بالشيخ في الخلوة، فهو يقرأ من الكتاب والحوار يقرأ من اللوح.

من جانبه الفنان ضياء العزاوي اسم يحضر بكل قوة وثقة عند الحديث او البحث عن رواد الحروفية مع أنه في الآونة الأخيرة اتجه الى الرمزية في الصورة واستلهام المعنى البصري من القصيدة مع شعراء مشاهير في الوطن العربي، إلتقيته في آرت أبو ظبي في دورته السابقة، ومع أن الوقت لم يكن متاحاً للحديث لانشغاله بالحوارات مع وسائل الإعلام كثيرة من صحفيين أو قنوات تلفزيونية، أشار في حديثه وإجابته على سؤال يتناسب مع الوقت عن تعلقه بالموروث إن كان حرفاً أو معنى في بيت من قصيدة قال: لا شك أن الموروث الشعبي هو جزء من تجربة أي فنان يختزل تراثه وأنا من هؤلاء المنتمين إلى تراثهم، وأجد في استلهامه تواصلاً في الزمان والمكان، فمهما جردنا العمل أو تعاملنا معه برمزية فلن يخلو من دلالات الموروث. وللعزاوي رأيه المستمر حول عالميته وعالمية لوحاته كما سبق أن أشار الى هذا الجانب قائلاً في أحد لقاءاته الصحفية: الفن المحلي قد يكون منافساً لما يطلق عليه عالمي، خصوصاً إذا كنا نتعامل مع محيط مختلف عنا لغة وثقافة، مؤكداً أن تجربته الفنية الطويلة بتعدد مراحلها هي تجربة شخصية بحتة، لا صلة لها بما يسمى باللوحة العالمية، فهي مجهود فردي اعتمد فيه على مقدار من الثقافة والمعرفة التي يمكن أن تبلور علاقة أكثر جدية أو أكثر إيجابية بين القديم وبين الحديث، والحديث برأيي هو التقنيات أو التوجهات التي وفرتها لنا التجارب الأوروبية والقديم والموروث الشعبي، الموروث الوطني، هو تاريخ السنوات الطويلة لإبداع الشعوب التي مرت أو التي عاشت في المنطقة العربية. ‏

أما في مصر فنجد الفنان يوسف سيده.. (يوليو 1922ـ ديسمبر 1994) الذي عمل محاضراً في قسم التربية الفنية في جامعة الملك سعود، جاء ذكره في موسوعة الفن التشكيلي المصري كأحد رواد مدرسة الحروفية في مصر، استلهم روح الإبداع من تلك الطاقة الموجودة في لغة التشكيل بالحرف العربي وظل مخلصاً لهذا الإبداع طيلة ثلاثة عقود، كان فارساً لهذا النوع من الفنون يقدم فيه إبداعاته وأفكاره وتنويعاته، فالحروف قادرة على القيام بدور بديل لكل العناصر التشخيصية والمعنوية في الفن، فحروف اللغة تحمل بداخلها جواً روحياً فهي كيان حضاري وكوني.

- ويوسف سيده يُعد الرائد المفكر الذي استطاع - كما وصفه الناقد الفنان د. مصطفى عبيد - أن يسمو بصياغة واستلهام الخط العربى في أشكاله المتعددة، متميزاً بالخصوبة والتنوّع ليقدم حلولاً تشكيلية جديدة ومتطوّرة بدءاً من رحلته مع هذا النوع من الفن منذ مطلع الستينات، وكان أحد النماذج الفريدة في الحركة التشكيلية المصرية، فهو متفرد بأصالته وديناميكيته، وبمصريته، ويُعد بحق مرجعاً لشباب الحركة التشكيلية اليوم في مجال الحروفية.

يأتي في السياق الفنان محمد غنوم من سوريا بحروفياته السابحة في فضاء اللوحة تشكل أحياناً خيلاً أو طائراً وأحياناً أخرى لا شكل يقيدها أو يسجنها في حدوده فتصبح حرة طليقة. ولا ننسى نجا مهداوي الذي جعل من حروفيته قصة وقضية جمالية قدمها بكل السبل حتى أصبحت جزءاً من جسد طائرات إحدى الشركات الخليجية، ولم يكتف بهذا الإنجاز وإنما قام بعرض حروفياته بالليزر على جبل في إحدى الدول الأوربية..

ونقف عند تجربتنا المحلية في الحروفية التي ظهرت عند العديد من الفنانين تبعاً للتجربة العربية التي أشرنا إلى روادها في هذا لموضوع، ونذكر هنا الفنان محمد السليم الذي قدم في آخر أيامه مجموعة كبيرة من الأعمال الحروفية، تضمّنت حكماً وآيات قرآنية شكلت تحولاً جميلاً في تجربته الآفاقية..

بين تجاوز وتمسك

تلكم المرحلة من تجربة هؤلاء الفنانين في توظيف الحرف العربي في أعمالهم التشكيلية إما إضافة أو بحثاً في كيفية تطويعه البعض منهم إذا استثنينا من رحلوا وهم في أوج تجربتهم، فإن البقية لا زال البعض يمارس تجربته مع أنها انتهت عند البداية فأصبحت الكثير من الأعمال مكررة ومتشابهة، أما البعض الآخر فقد تجاوزها إلى تجارب بعيدة جداً عن الحروفية لإحساسهم أنها محدودة المسافة نحو التطوير.

monif.art@msn.com