Culture Magazine Thursday  25/04/2013 G Issue 404
فضاءات
الخميس 15 ,جمادى الآخر 1434   العدد  404
 
البيوت
دفتر العائلة
لمياء السويلم

 

ليست وحدها ظلالنا التي تعكسها الشمس لا تدخل بيوتنا لأن الشمس لا تدخل معنا، بل حتى قاماتنا لا تدخل معنا إلى البيت، كم منا لا يشعر بقامته داخل البيت كما يشعر بها في عمله أو مدرسته، وكم منا يحس أنه يتخلى عنها بمجرد أن يعود إلى أهله، ندخل بيوتنا فنترك على الباب ظلالنا وقاماتنا وحتى ذواتنا، كأنما البيوت لا تسعها وكأنما نخاف نحن أن ندخل مكتملين إليها.

يحقق منا الواحد في مدرسته أو وظيفته أو حتى في ملعبه ما يغمره بالرضى على ذاته، ما يصالح فيه ثقته بنفسه، نحقق نجاحاتنا الصغيرة والكبيرة ونسعد بها خارج البيت، بعيدا عن العائلة، لأننا نعرف أن بيوتنا لن يسعها هذا الرضا، لن يسعد آباؤنا أو أمهاتنا أن نحقق نجاحا طالما هم لم يلامسوه في أحلامهم أو خططهم، لن يقبلوا لنا أن نستقل عنهم بنجاح شخصي، بعلاقة حب أو بإنجاز عملي، ستبقى البيوت محطة ضيقة نضطر فيها للتخلي عن أكثر الكلمات التي تعبر عنا، عن الآراء التي تمثلنا، وعن الصوت الذي يملأ داخلنا، وعن قيمتنا التي نجدها في غير الصورة التي أرادوها لنا.

لماذا تختفي قاماتنا أمام آبائنا وأمهاتنا، لماذا نتلاشى أمامهم ارتباكا خوفا وعجزا، لماذا تبدو كل ثقتنا بذواتنا هشة قابلة للكسر بمجرد حضورنا أمامهم، ولماذا نحس أننا مهما أنجزنا خارج البيت سنبقى داخله برصيد صفر، كأنما لم نحقق شيئا مذكورا، لماذا تسافر نظرات أهلنا في دواخلنا كطيور جارحة، ولماذا يدب النمل في أطرافنا متى طل طيفهم علينا في عوالمنا خارج البيت، هنالك حيث نحن في المدرسة والعمل.

لماذا تصبح نجاحاتنا سولافة أصدقاء ولا تشعل لها شموع الموائد المنزلية، لماذا علينا أن نطوي ابتساماتنا كأوراق مسروقة في حقيبة حتى لا يبادرنا السؤال «هل هنالك شيء» فنعرف أن الإجابة أشياء كثيرة لكننا ننطوي مع ابتساماتنا في ذات الحقيبة، ونردد درويش « لا شيء.. لا شيء أكثر من نحلة عبرت في دمي»..

لا تدخل الظلال في بيوتنا لأنها ظلال، لا وجود لها إلا انعكاس الشمس، لكن قامتنا لا تختفي بالعتمة، لا تختفي لأن لا ضوء حولها، تختفي فقط لأننا نعكفها كفاصلة صغيرة في سطر طويل، سطر العائلة المكتظ بعصامية الأب وصبر الأم، بمفهومية الأب وعاطفة الأم، سطر طويل هم الأهل، وما نحن فيه إلا فواصل صغيرة ضائعة بين الكلمات، فواصل لا تضيف بحضورها ولا تنقص بغيابها المعاني، تنعكف قامتنا حد التلاشي، لأننا مهما فهمنا سنبقى لا شيء في ميزان المفهومية الأبوية، ومهما تصبرنا وتحملنا من الوجع والخوف سنبقى مترفين لا نعادل دمعة أمومة، فواصل نحن لا تُقدم ولا تُأخر في العبارة العائلية، أو لسنا في القانون دفتر عائلة!!

الرياض
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 8789 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة