Saturday 10/05/2014 Issue 437 السبت 11 ,رجب 1435 العدد
10/05/2014

وقفة بين النيلين

في لقاء جمعني بالأستاذ الدكتور، مجذوب عيدروس، أمين عام جائزة الطيب صالح العالمية في السودان (الخرطوم)، وكنا مشاركين في دورة عبد الحميد بن هدوقة، في برج بوعريريج بالجائر في عام 2012، تم بعدها طلب اللجنة العلمية لجائزة الطيب صالح للمشاركة في تحكيم الجائزة، في فرع القصة القصيرة في دورتها الرابعة هذا العام، ضمن ثلاثة محكَّمين من الدول العربية، السعودية، ولبنان، والمغرب، في الفروع الثلاثة، الرواية والمسرح والقصة القصيرة، إضافة إلى لجنة التحكيم الرئيسة في الخرطوم من مجموعة من العلماء وأساتذة الجامعات، وبرعاية كريمة من شركة ( زين) للاتصالات، وكانت هذه الدعوة التي وافقت عليها فوراً بمجرّد مهاتفة من الدكتور مجذوب فرصة لي لزيارة هذا البلد العربي العزيز، الذي لم أزره من ضمن البلاد العربية متجولاً لتسجيل حلقات برنامجي (رواد الثقافة) الذي تجوّل في أنحاء العالم العربي، وسجل مع علمائه ومفكريه ممن تقدمت بهم السن مستفيداً من خبراتهم الثقافية وما قدموه لهذه الأمة، وكانت السودان من ضمن البلاد التي لم يزرها بجانب ثلاث دول لم تتح الفرصة لزيارتها، العراق، وليبيا، والسودان، وهذا لا يعني أنه أهمل أبناءها، بل سجل معهم في مناسبات خارج هذه البلدان، في الأردن والسعودية، وسوريا ولبنان، وغيرها في المناسبات والمؤتمرات الثقافية، منذ أن بدأ قبل تسع سنوات من إذاعة الرياض، وبعد أن استكملت المواد تحكيمها وإقرارها، تلقيت الدعوة الرسمية للسفر إلى الخرطوم للحضور والمشاركة في أعمال المؤتمر، وما أن حطت الطائرة على أرض مطار الخرطوم، حتى عادت بي الذكرى إلى ما قبل خمسين عاماً عندما تعرفت على السودان من خارج خارطة العالم العربي التي كانت تعلق في فصول الدراسة، تعرفت على السودان من خلال شخصين اثنين، أحدهما عن قرب، وهو أستاذ لم يبرح ذاكرتي إلى اليوم، واسمه/ أحمد محمد عوض/ كان يدرسنا اللغة الإنجليزية في المتوسطة الثانية في الأحساء ( مدرسة عمر بن الخطاب حالياً)، وأشهد لله أنه الذي علمني أبجديات هذه اللغة التي أحببتها إلى اليوم، والثاني، فنان قدير اسمه سيد خليفة، كنا نشاهده على قناة الظهران بأغنيته الشهيرة خفيفة الظل ( بامبو سوداني) كان يتمايل ويرقص على أنغامها ونحن نقلّده، وكنا نعلقها على زملائنا من أصحاب البشرة السمراء، وهم سعداء بذلك حباً في سيد خليفة، أما الذي أثر فينا ثم أصبح صديقاً لنا فيما بعد، فكان الطيب صالالروائي الذي حملنا روايته ( موسم الهجرة إلى الشمال) في حقائبنا وبين كتبنا الجامعية، نعود إليها في اليوم عدة مرات نتفكّه بها، وبشخصياتها المؤثرة، خاصة ( بنت مجذوب، ومصطفى سعيد)، لكن هذا البلد بقي في وجداني متنياً زيارته عن قرب، فقد قرأت عنه كثيراً، وزاملت عدداً من الأساتذة الفضلاء، لكن ليس الأثر كالعين. وعندما نزلت أرض المطار، واستقبلني مندوب الشركة الراعية ( زين) وجدت صورة أولئك الزملاء مرسومة على محياه، وكرمهم يترجم على الواقع في صالة كبار الزوار، وابتسامة العاملين تشعرني بحسن الاستقبال وكرم الضيافة، وهذا ما وجدته في جميع المرافق التي نزلت بها، وهم لا يدرون من أنا، من العاملين في الفندق ذي خمس النجوم، قبل أن التقي بالزملاء والمثقفين والإعلاميين الذين نسمع بهم ويسمعون بنا ولم نلتق من قبل، وكأننا نعرف بعضنا من زمن بعيد، العادات العربية، وكرم الضيافة، والبشاشة في وجه القادم. كان مؤتمراً عالمياً بالفعل، بكل المقاييس وجائزة منحت لأبناء السودان والعرب في فروع الأدب بجدارة، فقد حضره عدد من الباحثين والمثقفين والمشاركين من جميع البلدان، ولم أكن ذا بال بالافتتاح الذي حضره السفراء والوزراء وجمع كبير من الرسميين، لأني أعرف أنّ الافتتاح يأخذ هذه الصيغة ثم ينتهي كل شيء، ويبقى المؤتمرون يبيعون ويشترون مع بعضهم البعض، لكن الذي غيّر هذا المفهوم الذي تعوّدنا عليه ( للأسف) ما وجدته في القاعة الكبرى في الخرطوم، مقر المؤتمر على مدى يومين، وهي قاعة كبيرة جداً مزوّدة بكل وسائل التقنية، فالقاعة تغص بمن فيها، وكثرهم مرتين خارجها يتابعون أعمال المؤتمر على شاشات التلفزة، وكل المحطات العالمية تسجل المؤتمر من بدايته إلى نهايته، أما الحضور فكان على كثرته نوعياً من جميع الأعمار والمداخلات علمية للغاية، والأوراق مفحوصة بدقة، وبعد انتهاء المؤتمر كانت الرحلة النيلية للغداء على ظهر اليخت الرئاسي منتهى كرم الضيافة التي لم نفتقدها لحظة واحدة منذ أن قدمنا إلى أن غادرنا، ثم كانت الرحلة البرية إلى الشمال الشرقي من الخرطوم، إلى شندي، مدينة صحراوية آثارية بها حضارات الفراعنة، من الأهرام والمدن الحضارية المطمورة تحت الأرض، إنه السودان العربي بطبيعته، وكرم أهله وثقافتهم العالمية والعربية، وحقاً إنها جائزة أطلقت للطيب صالح وفاءً من أبناء قومه يستحقها.

- الرياض