Saturday 13/09/2014 Issue 445 السبت 18 ,ذو القعدة 1435 العدد
13/09/2014

( الثقافية ) تحتفي بعبد الجبار اليحيا

عند إحدى زيارات أبي مازن للمملكة أثناء إقامته بالمجر.. وهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى مفكراً بالعودة وبالحاح إلى موطنه وإلى حيث الأصدقاء والمحبّون، رغم أنه وجد في (بودابست) الجالية العربية وبالذات من يشاركه الهم الثقافي، وبالذات الفنون التشكيلية من أبناء العراق والشام وغيرهم.

رافقته بزيارة عجلى إلى القسم الثقافي بجريدة الجزيرة منتصف عام 1421هـ/ 2000م وقابلنا رئيس القسم ونائبه، الأستاذين إبراهيم التركي وعبدالرحمن المرداس، وأذكر جيداً أن الأستاذ اليحيا طرح فكرة تطوير العدد الأسبوعي من (الثقافية) بحيث يسهل الاحتفاظ به. وذلك بوصفه ملحقاً مستقلاً داخل العدد، يسهل ثنيه على شكل كراس ومن صفحات متعددة.. وقد راقت الفكرة.. وأظن الطموح والتطوير قد وصلا إلى ما انتهت إليه الآن، حيث ولدت (المجلة الثقافية) من عام 1423هـ/ 2003م وبثوب أنيق جذاب وبتنوع زاه يأخذ بالألباب وبصفحات متعددة تحوي كثيراً من الألوان الثقافية والأجناس.

اذكر ان الأستاذ اليحيا قد سلم لهم - في تلك الزيارة – نموذجاً من عمله المترجم – إذ إنه عرف كرائد للفن التشكيلي وكاتب، ولم يعرف عنه أنه مترجم – (قصة أر باد كونج 1944) وهو يحكي عن أول رئيس جمهورية للمجر (أرباد كونج)، والذي ينتخب ديمقراطياً لأكثر من أربعين عاماً. وحصوله على جائزة (ويت لاند) كمترجم لبعض أعمال مشاهير الروائيين المعاصرين في أمريكا أمثال (فولكنر) و(همنغوي) و(أبداك) وكونه مبدعاً في التأليف المسرحي والقصص القصيرة. وقد ترجم عدداً من قصصه القصيرة. ونشرتها (الثقافية) بعددها الأسبوعي 9901 ليوم الأحد 29/ من رجب 1420هـ 7 من نوفمبر 1999م.

وكان قبل ذلك عام (1967) عند ما كان مشرفاً على صفحة الفن التشكيلي بجريدة (المدينة)، وهي أول صحيفة تفرد صفحة لهذا الفن في المملكة.. يقول: «.. وكنت أحرر تلك الصفحة الأخيرة يوم الجمعة بمفردي كتابة وتصحيحاً واشرافاً. كان ذلك في منتصف عام 1967م عام النكبة، وكانت الصفحة تحتوى على:

1- مقال مترجم عن الفن - من مجلة نيوز يويك ومجلة التايم.

2- كتابة مقال في حلقات عن (أثر الفن في تطور المجتمع).

3- شرح لمبادئ أولية في الرسم – المنظور، التشريح.. إلخ.

4- لوحة الأسبوع.

5- نادي الرسم – دعوة، للمشاركة.

6- قصيدة مع تخطيط.

كما أنه ترجم كتاب (اللون وتقنياته.. للفنان التشكيلي) تأليف هانز شوارتز. من اللغة الإنجليزية للعربية عام 1424هـ وطبعته جماعة ألوان للفنون التشكيلية (140 صفحة). هذا ما تيسر لي واطلعت عليه.

عاد إلى المجر لتصله (المجلة الثقافية) بعد صدورها وليتحقق أمله في أن تكون على شكل كتاب واسع سهل.. وليبدأ مع تجربة جديدة – أو هكذا خيل لي – بدأت. ولست متأكداً إذا ذكر ما هو أمامي من نصوص نشرها في المجلة بعد ذلك وليست كل ما نشر – بدأت المجلة في نشر انتاجه وابداعه ولواعجه التي تمثلت في الشعر، فمن العدد / 30 الصادريوم الاثنين 3 من شعبان 1424هـ 29 من سبتمبر 2003م نجدها تنشر له قصيدة (الرياض.. لوحة انطباعية) قائلاً:

كم أنت بالقرب، بالقلب

كما بالبعد أنت.

هلا كسيت بالألوان.

وأطياف الألوان.

ومسحت سماك.

بفرشاة عطشى.

للون الأخضر.

والمرجان؟

***

أنسلَّ الأخضر منك.

وتباهى فيك النسيان.

والشجر الشاحب ملتاعٌ.

يتوارى في حذر.

ويجوب شتى البلدان.

وبعد ثلاثة أعداد نجده ينشر قصيدة أخرى يرسلها من مطار اسطنبول بتركيا، يغازل ويتوجد على الرياض حبيبة القلب إذ هو يقلب نظره في المطار فلا يرى سوى (ماكدونالد) و(كنتاكي) و(دنكن دونت) فيشهق ويقول: يا الهي من أتى بي؟ إلى هذا المنعطف؟ ففي العدد (34) نجده يكتب قصيدته (المنعطف الرياض).

سيارتي تغازل الشوارع.. بعد مساء أو ليل جمعة.. في ذلك الصباح أفتش عن لا فتات.. عن (يماني). عن قرص (تميس)، وكبدة (حاشي).. إلخ.

وهكذا استمر ينشر قصائده الحديثة وعلى مدى 19 قصيدة. وهي كل ما لدي – حتى العدد 119 ليوم الاثنين 17-7-1426هـ الموافق 22-8-2005م حيث قصيدته (ياليل) التي بعثها من (بودابست) يقول فيها:

يا ليل جلَّيت لي ليلي

فدعه يضج بالسمار

ودعني ودع صحبي

قليل كان زواري

تطاولت يا ليل على تحلبي

تطاولت على صحبي وزواري

ما كان أن تضفي السواد

وتنقضي

سوادك يا ليل أجواء

لأسراري

سناء الفجر يبعدني

وينشر حلو أفكاري

فأسدل سواداً دامساً

يالليل

وزدني من ليلك ليلاً

وعبدالجبار اليحيا يبادل (المجلة الثقافية) حبا بحب، فنجده يكتب عنها – مع غيره – بمناسبة بلوغها العام الثاني من عمرها، فنجدها تصدر عدداً خاصاً بالمناسبة (48) 10 من محرم 1425هـ 1 مارس 2004م وتقدم اليحيا (رائد في الكلمة والتشيكلي) قائلاً: «وإن جاءت الثقافية متأخرة في صدورها، إلا أن ذلك خير من عدمه، أحسن من لا شيء، لأن المتابع لما تطرحه مطابعنا من نتاج الأدباء والنقاد والنشاطات ال فنية (تشكيل، مسرح، إلخ) يجده كافياً بأن يملأ العدد من المجلات الأدبية والفنية المتخصصة، ولكنه مع الأسف نتاج متناثر بين الصحف اليومية، والتي أفردت صفحة أو صفحتين من بين عشرين صفحة لنشر شذرات أدبية وفكرية

– تحتجب أحياناً – لمصلحة إعلان أو دعاية... وكنت أتساءل – بحنق وغيظ أيضاً – عن عدم وجود (نافذة) نطل منها ونرسل من خلالها واقعنا الأدبي، (مجلة متخصصة) نجمع هذا النتاج الهائل (لروائيينا وقصاصينا وأخبار معارضنا الفنية، بل ومساهمة نقادنا بتناول ما يطرح على الساحة التشكيلية بالنقد والتحليل... الثقافية بجهد الغيورين من الشباب – بكل اعتزاز – قاموا بالخطوة الأولى وأصدروا (سجلاً) لتدوين فكر هذه المرحلة من أدب وفن ونقد، والذي أرجوه أن ينمو هذا السجل وأن يتطاول ويرسخ كرسوخ هذا الوطن – بحضارته وإرثه وتقاليده السمحة – وأن يفسح المجال الواسع لا نتاج الشباب المبشر بمستقبل يحمل في طياته تواصلاً حضارياً وتقاليد تتماشى مع تطورات العصر إيجابياً، وأن يراعى بكل احترام وتقدير نتاج أوائل أدبائنا ومفكرينا، لكي يمتد التواصل بين الثوابت والمتحولات فتمتلئ الصدور والعقول برحابة وتحتضن التغيرات وتمديد المساعدة والعون، فيتبلور فكر جديد لمرحلة جديدة تغير الطريق للأجيال القادمة.

شكراً للثقافية، ودوام الصحة والعافية، وكل عام وأنتم بثوب جديد..».

وتنشر له (المجلة الثقافية) دراسة فنية (حول... واقع الفن التشكيلي المحلي.. لمحمد المنيف) في العدد (53) في 15-2-1425هـ.

كما ترحب به عند عودته للرياض ففي العدد (101) في 2-3-1426هـ نجدها تنشر خبراً عنه (الفنان اليحيا يعود بغنائم أدبية وتشكيلية)، «الفنان عبدالجبار اليحيا الرائد التشكيلي والأب الروحي للكثير من التشكيليين الذي يعتبر صديق الأدباء على حساب عشقه للتشكيل عاد بعد رحلة طويلة خارج الوطن، استعاد من خلالها نشاطه وجمع فيها الكثير من الأفكار التشكيلية والأدبية التي يستعد لوضعها في مواقعها الصحيحة على اللوحة وعلى صفحات الثقافية، أبو مازن اسم ما زال يعطي بكل حيوية ويدفع بالآخرين للعطاء افتقدته الساحة إلا أنها سعدت بعودته التي يؤمل أن تبدأ بإقامة معرض جديد لمجموعة ألوان التي يرأسها والأيام القادمة موعد منتظر لهذا التحرك الجميل».

وبعد شهر نجدها في العدد (105) تعيد نشر أخباره والإشادة بأدواره، بل والمطالبة بتكريمه: «عبدالجبار اليحيا يحظى بحب الوسط التشكيلي.. التشكيلي المخضرم الفنان عبدالجبار اليحيا يحظى كعادته بحب كبير من منسوبي الوسط التشكيلي، ولهذا فهو محط أنظار وأسماع الحضور في أي معرض يتواجد فيه.

أبو مازن فنان يمتلك بصراً وبصيرة نافذة، يستطيع من خلالها تقييم اللوحة أو أي عمل إبداعي، عوداً إلى مختزنه وخبراته الطويلة مع ما يمتلكه من ثقافة عالية عربية وعالمية في هذا المجال، لهذا فقد رشحه الكثير عميداً للتشكيليين في الرياض. وطالبوا بتكريمه بشكل جماعي مقترحين أن يكون حفل التكريم مشتملاً على معرض استعادي لتجربته الطويلة».

وفي العدد (175) الصادر يوم الاثنين 15 من شوال 1427هـ 6 نوفمبر 2006م يجتمع كثير من الأدباء والكتاب والفنانين معه في منزله بحضور الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية، بعد إعادة تشكيل مجلس جديد لإدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون، وعلى مدى صفحتين (10 – 11) تنقل المجلة تفاصيل مادار من نقاش «..وكان الحديث بمذاق وتعدد وجبات الشهر الكريم حيث تنوع الطرح والمداخلات في مختلف هموم وشئون وشجون الوسط الثقافي خصوصاً الأدبية والتشكيلية كما تخلل النقاش بعض من الجوانب العامة المتعلقة بالمتلقي والجمهور والفارق بين الأجيال والفترات الزمنية التي أحدثت تغيراً في الحراك الثقافي وفقاً لكل ما طرأ على الحياة العامة من تبدل وتطور أصبحت فيه سبل التواصل مع الآخر سريعة وميسرة». وتبشر (المجلة الثقافية) القراء بأن اليحيا يكتب سيرته الذاتية، ففي عدد (201) الاثنين 18-5-1428هـ الموافق 4-6-2007م «يضع الفنان التشكيلي الرائد المثقف الأستاذ عبدالجبار اليحيا لمساته الأخيرة على سيرته الذاتية الفنية المتصلة منذ أمد كان فيه الفن التشكيلي مفهوماً هلامياً يبسطه أناس فلا يتجاوزون لوحة نخلة، ويظن به آخرون الظنون... أبو مازن من جيل لا يعترف بالتحديات إلا سبيلاً للفعل، فدرس أكاديمياً وعاش مع الفن عالمياً، واكتسب حضوراً مدهشاً في الساحات المحلية والعربية والدولية.. إلخ».

وبعد أكثر من سنة نجد الثقافية تعاود تحريك المياه الراكدة لدى أبي مازن، ففي العدد (252) ليوم الاثنين 12-6-1429هـ - 16-6-2008م تكتب تحت عنوان: (إننا نراك) «طالت غيبة (أبي مازن). وكنا ننتظر صدور (سيرته الذاتية) التي ربما كانت سبباً لابتعاده، لكنها لم تأت. ولا هو عاد.

عبدالجبار اليحيا.. مثقف قبل أن يكون فناناً، وإنساناً معهما وبعدهما، وتمتلئ بخلقه، وت تامل إبداعه، وتحس أن الزمن يتوقف عند الكبار فلا تدق ساعاته في حضرة من يمتلك الحس والذوق والتميز والجمال.

مسيرة (الثقافية) تعتد بأستاذنا عبدالجبار قبل أن تكون ثقافية، وفي إرهاصات البدء كان لأبي مازن مقترح بأن يكون (الملحق الثقافي الأسبوعي) مميزاً بشكله الإخراجي داخل الصحيفة، وتطورت الفكرة لتصبح هذه المجلة التي صدر منها (252) عدداً في ستة أعوام.

عبدالجبار نأى عن احتكارات الوسط الثقافي وتحاسداته، ورفع ذاته فوق إحن المثقفين وأنواتهم، ولم يُدخل في حساباته معادلات: الفرز والرّز والإدناء والإقصاء، وركز عمره في عمله، راسماً خيوط الشمس، مفصحاً بصوت الهمس، شاعراً بألق وجه التجلي الذي لا يراه المنطفئون.

عبدالجبار رائد لم يتنكر لجيله ومرحلته، فظل صادقاً إن قال وإن سكت، قريباً إن دنا وإن نأى، وفياً ولو واجهه الهجر أو تجاوزه الشكر.. أبو مازن. رمز ثقافي نادر، شاء التواري لكننا نراه».

وصحيح انه عاد واستقر بين أهله وأحبابه وأصبح منزله هو مرسمه حيث يقابل زواره وأصدقاءه إلا أن الأمراض داهمته في السنوات الأخيرة فأصبح يغالبها.. فكثرت زياراته للمصحات وكثرت الأدوية والعقاقير الطبية وأصبح بقاؤه بالمنزل أكثر من خروجه إلا للضرورات القصوى.. أو إلحاح من صديق أو رفيق في زيارة آخر أو حضوره معرض للفنون من باب التشجيع والمؤازرة.. ورغم ما يعانيه آخر حيا ته – رحمه الله – من آلام إلا أنه يتحامل على نفسه ويبتسم ويهش ويبش لكل من ينحني ليقبل رأسه ويبادله التحية بأحسن منها. لقد كان آخر لقاء لي به في الحفل السنوي لجمعية الثقافة والفنون في العام الماضي ورغم ما يعانيه إلا أنه حضر متحاملاً ومحققاً رغبة صديقه الفنان سعد العبيد بالحضور، ولم يجلس حيث يجب في صدر المجلس بل اتخذ مكاناً قصياً في مدخل الخيمة. قرأت خبر بقائه بالمستشفى المركزي بالرياض فاتصلت بابنه مازن وصديقه سعد العبيد، هل يمكن زيارته؟ فأجابا بصعوبة ذلك كونه في جناح العناية الفائقة.. بقي قرابة الشهرين حتى وافاه الأجل المحتوم في العشرين من شهر رمضان المبارك. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

وقد كُتب عنه كثير من المراثي في مختلف الصحف ومنها الجزيرة – إذ أن (المجلة الثقافية) متوقفة عن الصدور خلال العطلة الصيفية. ومع ذلك أفردت صفحة كاملة في العدد (15275) ليوم الجمعة 27 من رمضان 1435هـ يوليو 2014م) تحت عنوان: (الساحة التشكيلية الخليجية والعربية تودع الفنان عبدالجبار اليحيا:

• الفن التشكيلي السعودي يخسر ثالث أضلاع الريادة.

• أول من كتب في الفن التشكيلي ولا يتردد في دعم المواهب.

• يرسم الكلمة أدباً ويكتب الأدب تشكيلاً.

وبين لوحاته المميزة نجد الكثير من الأصدقاء يكتبون عن مشاعرهم ولوعة فراقه نجد الدكتور ناصر الحجيلان يشارك بكلمة عنوانها: (الراحل عبدالجبار اليحيا أعطى لوطنه إبداعاً لا يُنسى أو يغيب).

- الرياض