الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st April,2003 العدد : 7

الأثنين 19 ,صفر 1424

مساقات
ألقاب الشعراء
عبدالله بن أحمد الفيفي*

ذكرنا في المساق الماضي أن القدماء قد عنوا بالتأليف في ألقاب الشعراء.
وللمحدثين عناية نظيرة، لكنهم لم يَعْدوا بتفسيرهم إياها نقل تفسير القدماء «1».
على أن منهج هذه الدراسة تحديداً يمكن أن يتركّز على ألقاب الشعراء في العصر الجاهليّ في هذه المرحلة على الأقل. وذلك أولاً لحصر الموضوع في نطاق تمكن معالجته وفق تحديد زمني ورؤيوي معيّن. إضافة إلى سبب آخر، هو أن ألقاب الشعراء بعد الإسلام كانت قد استحالت إلى محض تقليد عام لنهج العرب القدماء، وذلك كسائر التقاليد الأدبية الأخرى، فهي لم تعُد تحمل تلك الأهمية التي كانت تحملها في العصر الجاهلي، لما ناب عن وظيفتها من جهود النقاد في تقييم الشعراء ونقد شعرهم. ولذا فان ما يمكن أن يستشف من محمولات فنية وراء ألقاب الشعراء الإسلاميين كأن تلحظ خاصية «المعاظلة»، وراء لقب «الفرزدق» مثلاً، أو أن يلتفت إلى معنى الطاقة «التنبؤية الشعرية»، وراء لقب «المتنبي» كان قد أعنى عن البحث فيه ما دار فعليّاً حول شعر هؤلاء الشعراء من ملحوظات معاصريهم من النقاد. كيف لا، وقد كانوا يعيشون عصر التدوين والنقد المكتوب. أما الجاهليون فالحاجة ماسة لدراسة الأبعاد النظرية الفنية التأسيسية لديهم من خلال بقايا الإشارات الدّالة، التي تمثّل ألقاب الشعراء إحداها. ثم إن ما يسعى إليه هذا البحث تحديداً ليس الخوض التأويليّ في بحر دلالات الألقاب الشعرية، وإنما الإفادة مما قد يسعف به بعضها في درس الجذور النظرية لشعر العرب ونقدهم. ولقد يبدو تحليل الألقاب تاريخياً منهاجاً ملائماً للسعي وراء استخراج تصوّر تطوّري لما تعكسه ألقاب الشعراء من رؤية فنيّة. إلاّ أننا سنعدل عن ذلك لسببين، أولهما انه لم يبد وراء مجموعة الألقاب الشعرية المدروسة نوع من التطور يسوّغ المنهاج التاريخي، وثانيهما أنها تبرز حقيقة أبعد من هذا، هي أن النقاد الإسلاميين القدماء قد أخذوا مبادئ نقدهم التي أثبتوها في كتبهم من أعراف الرؤية العربية للشعر وأفواه العرب في نقدهم الشعراء، كما تشهد بذاك كتب النقد العربي، منذ كتاب «فحولة الشعراء» للأصمعي. ومن هنالك فإن النقد العربي القديم لا يبدو سوى امتداد لنقد العرب قبل الإسلام، الذي تكمن آثاره الفنية والفكرية في ألقاب الشعراء. وعليه يتبدّى أن ألقاب الشعراء تحمل جذوراً لتلك الأساسات التي شيّد عليها النقاد العرب القدماء آراءهم ومصنّفاتهم النقدية. ومن هذه الزاوية التأصيلية فإن ألقاب الشعراء تندرج في ثلاثة حقول نقدية، يمثّل الأول نقد بنية النص الشعري، بحيث يمكن القول إن ألقاب شعراء الجاهلية تحمل ملامح الأبواب الأولى التي يعقدها النقاد الإسلاميون حول صناعة الشعر ونقده، كقضايا اللفظ والمعنى، والوزن والقافية، والطبع والصنعة، لتأتي بعدها أبواب البلاغة التفصيلية المستحدثة التي استنشؤوا بحوثهم فيها. وذلك ما يمكن على سبيل المثال أن يتخذ نموذجاً له من كتاب «العمدة» لابن رشيق. أمّا الحقل الإشاري النقدي الثاني لألقاب الشعراء الجاهليين، فيتعلق ببنية النسق الثقافي العربي إذ ذاك، ولا سيما فيما يتصل بالشفاهية والكتابية، والذكورة والأنوثة. ثم يبرز الحقل الإشاري النقدي الثالث المتعلق بطبقات الشعر وتقييم الشعراء. وهكذا يظهر التكامل بين هذه الحقول الثلاثة في تشكيل رؤية العرب النظرية للشعرية ونقدهم إياها. وهو ما يجعل إذن هذا المنحى المنهاجيّ الذي تختطه هذه المشارفة لدرس ألقاب الشعراء أولى من غيره.. لأجل ذلك فالمتوخّي من البحث في ألقاب الشعراء ألا يقتصر على درس دلالات الألقاب الشعرية عند الجاهليين، بل أن يسهم في قراءة صفحات غير واضحة ولا مقروءة من النشاط النقدي العربي قبل الإسلام، وما شكّلته من منطلقات شعرية ونقدية من بعد.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد يكون للقب الشعري الواحد أكثر من وجه دلاليّ، كأن يكون ذا دلالة على ألفاظ الشاعر أو معانيه، ويحمل إلى جانب ذلك تقييماً لشعره أو إبرازاً لخاصية من خصائصه. وعندئذ فلا مناص من العودة إلى تحليل أوجه أخرى من دلالات اللقب الواحد. هذه مقدمة لمساقات مقبلة ستدور حول هذا الموضوع، بإذن الله.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
تشكيل
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
الملف

ارشيف الاعداد


موافق

ابحث في هذا العدد

للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved