الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 21st June,2004 العدد : 64

الأثنين 3 ,جمادى الاولى 1425

مساقات
السلم الشعري لدى العرب
(1-4)
د. عبد الله الفَيْفي
يمكن تصنيف ألقاب الشعراء في العصر الجاهلي، المشيرة إلى طبقاتهم الشعرية، في ثلاث فئات، الفئة الأولى: ألقاب تحمل شهادة تميز شعري عموماً. والفئة الثانية: ألقاب تحمل شهادة بتميز أصحابها في أغراض معينة من الشعر، والفئة الأخيرة ألقاب تنسب إلى أصحابها ضعفاً شعرياً عاماً.
1
على رأس سلم الفئة الأولى: لقب (الفحل)، وقد تقدمت مناقشة هذا اللقب في عدة مساقات سلفت، بما يستند عليه هذا اللقب من مزايا معيارية للفحولة الشعرية يمكن استخلاصها من كلامهم عن الشعراء: لغوية، ومعنوية، وموسيقية، وسبكية، وتعددية في الأغراض، وتوازنية بين الطبع والصنعة، ونتاجية شعرية متنوعة غزيرة، فضلاً عن المعايير الثقافية والاجتماعية: كالرواية، والقدم، والجنس: من حيث الذكورة والأنوثة، والفحولة الجنسية وضدها.
2
ولعل لقب (النابغة) لديهم هو أجدر الألقاب بأن يدرج بعد لقب (الفحل) في هذه المرتبة، ولقد فند من قبل التعليل المنحرف بهذا اللقب عن جادة دلالته التقييمية لشعر النوابغ حيث يعزوه إلى بيت من شعر النابغة الذبياني، والدليل على أنه كان لهذا اللقب مفهومه الفني لدى العرب أنه قد قلد به شعراء آخرون: ك(النابغة الذبياني، الحارث بن بكر)، و(نابغة جديلة النابغة العدواني جاهلي)، و(النابغة التغلبي)، و(النابغة الغنوي)، و(النابغة الحارثي)، و(النابغة الجعدي، ت. نحو 50ه = 670م)، و(النابغة الشيباني، ت.125ه=743م). ف(النابغة) إذن شاعر متقدم على الشعراء من مجايليه، وقد عد الجمحي النابغة في الطبقة الأولى من فحول الشعراء، وكان رجل قد سأل الأصمعي: (أي الناس طرا أشعر؟ قال: النابغة. قال: تقدم عليه أحداً؟ قال: لا، ولا أدركت العلماء بالشعر يفضلون عليه أحداً.
(الأصمعي، (1980)، فحولة الشعراء، تحقيق: ش. توري، تقديم: صلاح الدين المنجد (بيروت: دار الكتاب الجديد)، 9). أما ما يذكر من أن (النابغة) من الشعراء إنما يلقب بهذا اللقب إذا قال الشعر بعدما يسن، أو يكون مفحماً ثم ينطق بالشعر وقد عُلّلت بذلك ألقاب معظمهم, إن لم يكن كلهم أو أن يقال إن النابغة من لا يكون معرقاً في الشعر من قبل آبائه، فتضييق لمجال انطباق اللقب على حالات خاصة، تحول إلى تقليد تعليلي، نتج عن محاولة التماس تعليل اللقب في دلالة المادة اللغوية التي اشتق منها: (نبغ)، الدالة على حدوث مباغت كنبوغ الماء بعد أن لم يكن أو بعد انقطاع.
وقد يكون هذا المعنى وارداً في بعض الحالات، لكن تعميمه على كل الحالات ليس عليه دليل، على أن نبوغاً مبكراً أولى بالاعجاب من متأخر، بل إن نبوغاً متأخراً أولى بالاستغراب منه بالاعجاب، وإنما النبوغ انبجاس موهبة بعطائها الفائق الغزير في محيط عام من الركود، أو حالة من المستوى العادي من الانتاج، فهو نبوغ على المستوى الشعري العام، لا على المستوى الشعري الشخصي، وقد صيغت الكلمة على وزن من أوزان المبالغة، فقالوا: (نابغة) ولم يقولوا: (نابغ)، إشارة إلى أنه نبوغ بعد نبوغ، مما يؤكد الدلالة (الاطرادية) لصفة النبوغ، لا الدلالة (الطروئية)، وعلى هذا صارت الكلمة لقباً لكل نابغة في مجاله، دون التفات إلى تاريخ النبوغ الشخصي أو الأسري.
3
ثم يمكن أن يدرج لقب (المحبر) في الدرجة الثالثة من تصنيف طبقات الشعر وتقييم الشعراء، فقد لقب به طفيل الغنوي لحسن شعره، وهو شاعر فحل، وقد قال الأصمعي (انظر: فحولة الشعراء،10) عنه: إنه عنده في بعض شعره أشعر من امرئ القيس، الذي ليس يقدم عليه أحداً.
ويقع لقب المحبر في هذا الموقع من مراتب الألقاب الشعرية التقييمية، لأنه يشير إلى عموم التفوق في شعر الشاعر، ولذلك لم يستحقه إلا شاعر فحل كطفيل الغنوي، ومما يدل على تراتب هذه الألقاب الثلاثة (الفحل، النابغة، المحبر) في نظرة العرب للشعر والشعراء أنها تأتي في الترتيب نفسه في رواية ابن دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي لكتاب (فحولة الشعراء).
4
ثم تتوارد ألقاب بعد تلك الثلاثة، متفاوتة في دلالتها على طبقة الشاعر، لكنها في مجملها أقل من تلك الثلاثة المتقدمة في شهادتها بالتفوق، ويتبدّى في أولها لقب (الشماخ)، لمعقل بن ضرار، المقول في تفسيره: إن صاحبه قد شمخ بالشعر، ولم يمنح إلا لشاعر هو في عرفهم شاعر فحل، لكن شموخ الشماخ يبدو من خلال وصفهم المعجب بشعره شموخاً محدوداً، كامناً في الجانب اللغوي، حيث كان شديد متون الشعر أشد كلاماً من لبيد وفيه كزازة، رصيناً، كما مر من تحليل شاعريته في المساقات الماضية، وهناك أكثر من شاعر يطلق عليه (الشماخ): كالشماخ بن خليف، والشماخ بن أبي شداد الغيابي، والشماخ بن العلاء، والشماخ بن عمرو الشمخي، والشماخ بن المختار الغنوي، وهذا يدل على شيوع استعمال لقب (الشماخ) للشعراء، شيوع استعمال لقب (النابغة)، غير أنه لم يرد فيما عدا لقب الشماخ بن ضرار شيء عن علاقة هذا الاستعمال بطبيعة شعر الشاعر، أو حتى تحديد ما إذا كان (الشماخ) قد استعمل لقباً للشاعر من هؤلاء الشعراء (المغمورين)، أم أنه كان اسماً له؟ كما أنه لا يتوافر من أشعارهم ما يتيح تأكيد فرضية اكتسابهم الفني لهذا اللقب، مقارنة بالشماخ بن ضرار.
وللبحث صلة
مقام:
ما بين صفحة قارئ أولى
وثانية..
ترف هناك أحلام غزار في العيون!


aalfaify@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved