ماذا أقول لعهد كان يربطنا |
مزّقته إرباً وأريتُه العدما |
ماذا أقول لعشّ كان يجمعنا |
طار الأليف ولم يحفظ لها القسما |
يا دارها في (رباط) الخير تعصمنا |
بوركت يا دارها ستراً ومعتصما |
ناحت عيوني وداعاً وهي ذاهلة |
قالت ستورثني الآلام والسّقما |
ودّعتها وجناح الصبر ودّعني |
لمّا رأيت غزير الدمع منهزما |
يا كلّ خفق لها في صدري اضطرما |
ودّع غرامك لا كرها ولا سأما |
لكنه القدر المحتوم فرّقنا |
وكل حي يرى من حظّه قسما |
فعبدالعزيز خوجة له كما تدل قصيدته الأولى (وداعاً يا مغرب) بالنبي صلى الله عليه وسلم وبآل البيت وشائج شتى هي أهم أسباب حبه الصادق لهم الذي أبداه دائماً في قصائده ولا سيما المطوّلة، وهو في قصيدتيه الغزليتين الأخريين (ودّع غرامك) و(خبّريني) يتولّه على المغرب وعلى أحبابه فيه وخلانه على أراضيه، ومن ذا الذي لا يتولّه على هذا البلد الجميل ومن فيه بعد ان عرفه وعرفهم فأحبهم ثم تركهم إلى رجعة في زيارة بل في زيارات لأمراء فيها بعد زمان طويل أو قصير، حسب الشواغل والتقدير، ولكن بدون تردّد أو تقصير، أو حائلٍ جَلَلٍ خطير. |
إن قصائد شاعرنا الدكتور عبدالعزيز تدل دلالة قاطعة على انه أحسن المواءمة بين قيود العمل الدبلوماسي وآفاق الشعر الرحبة، وإنّ الذي يعرف حاضرة الحجاز يعرف ما يملأ جوانح أهلها طرّاً من حب عاطفي غير معتاد للنبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن ان يقال إن هذا هو الذي صنع بالدرجة الأولى الوجدان الحجازي النبوي، إضافة إلى المجاورة والنشأة في بلاد تعبق أجواؤها بأرج التاريخ والوحي، وهو الذي فطر أهلها على طباع خاصة مهيّاة لهذا الحب. |
حقاً إن الدكتور خوجة هو شاعر الحبّ أولاً وأخيراً، إنه بكل صدق نبعه وشلال منه من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه. |
لقد أضحى للدكتور عبدالعزيز مكانة عليا في الشعر العربي الحديث أوصلته إليها ميوله الأدبية التي أكسبته معرفة واسعة بالشعر ونقده، ثم خطّت له ميوله ومعرفته مذهباً فنياً خاصاً متألقاً في هذا الشعر على الرغم من ان مهام منصبه السياسي وقيوده قد تحول بينه وبين الانطلاق (المطلق) في آفاق المعاني (غير المطروقة) لسبب أو لآخر، بصرف النظر عن كون هذه المعاني حقيقية أو متخيلة، واقعية أو رمزية، غزلية أو غير غزلية. |
ويعدّ شاعرنا المتألق في شخصه وفي شعره على حدّ سواء بحق واحدا من شعراء العربية المبدعين في هذا العصر الذي لم تحل مهنهم أو تخصصاتهم العلمية بينهم وبين ان يبلغوا في الشعر شأناً عظيماً ومنزلة مرتفعة. |
لقد كان الشعراء إبراهيم ناجي طبيباً، علي محمود طه مهندساً، عمر أبوريشة ونزار قباني وغازي القصيبي ومحمد الفهد العيسى سياسيين، وصاحبنا الدكتور عبدالعزيز خوجة واحد من هؤلاء الشعراء والعلماء والسياسيين لم تحل شواغله العلمية الجمّة في بداية مشوار العمر، ومشاغله الوظيفية بعد ذلك بينه وبين الشعر. |
نرجو الا يكون انتقاله من المغرب الجميل الذي تسمح الحياة الهادئة فيه بالتأمل والحبّ والدفء والإلهام، ومن ثمّ بالانتاج الغزير على هذا الصعيد إلى بؤرة الأحداث الساخنة بيروت بوابة المشرق المضطرم حيث تلتهم هذه الأحداث الوقت، وتحيل التأمّل العاطفي والانفعال الوجداني إلى عمل سياسي ذهني مرهق لاتتسع النفس لغيره ولا ينطلق القلم بسواه إلا لماما وكلما أتاحت الظروف، وقليلاً ما تتيح. |