الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

نص (الساحرة) لـ«هدى المعجل»
*جمال السائح
نص القصة القصيرة جداً
قال لها : أحبيني بلا عقد.
فأخبرتها العرافة: أن الساحرة المعنية بعقد السحر تابت إلى الله.
***
في قصة القاصة (هدى المعجل) القصيرة روابط خفية وقفزات متثالثة من دون إشارة إلى حجرتها الثنائية، أو حلقة الرابط الثانوي.. كما أن العقد مفردة كلموية تحتاج إلى برهنة على مفهومها الغالب وغير الغالب، فهي تقبل مختلف المعاني.. من العقدة النفسية، والعقد السحرية، وعقد السلسلة الحبية من الغرام والتعطيفية .. كما أن توبة الساحرة ربما كانت تمثل بنفسها عقدة وأن حبه من البداية كان مثلثاً بفعل عقد الحياة والنكد الذي ما كان يعقده سوى نفس الإنسان.
إذن هنا الإنسان نفسه واحد طرفي المعادلة في انبثاق مثل هذا الحب هو نفس ساحر، وأن توبته إلى الله ما كانت إلا رجعة إلى البيت الدافئ، وإلى الحضن العزيز.. يعني أن طلبك مستجاب بفعل ما لم أتفق عليه بعد مع النفس المخبأة تحتي.
ثم نجد أن هناك عرافة، وحبيب يطلب حبيبته، وساحرة معنية بعقد السحر تابت إلى الله.. وهي، ورواية غير مفضوح إلا من خلال إفصاح ضمني.. فهي أصرت على أن تحبه بعقد، لذا فإنها لجأت إلى العرافة، لكن العرافة فاجأتها بأن الساحرة قد تابت.. فإن تراءت للحبيب أنها هي الأخرى استجابت لمطالبه وتابت فلم يكن هذا عن طيب خاطر، واستجابة عن قناعة.. إنما لأن الساحرة تابت.. لكن هنا مؤشر أنها ما فعلت مثل هذا، أو ما كانت ستقوم به مما هو مشطوب عليه ومحذوف أنها ستقوم بدور الساحرة، أو أنها الساحرة !!
فالاحتمال الأخير ما كان إلا بسبب من تفرعن السبب في ضاحية المشهد أمام الحبيب، لذا ما كان لتوبة الساحرة إلا تمويه لأنه لم يكن ثمة ساحرة لأنها هي التي كانت تسحره بلوعتها وتلويعه لكنه كان يشعر أنه أمام جمهرة من السحر لا يطيقه، أو ربما نحتمل الطبيعة في السرد المختزل نهائياً.. أنه كان يطالبها بالتجرد من نفسها، ما كانت تشكل له إلا عقدا، كما يمكن أن تشكل تلك التقاليد التي يتمسك بها البعض والأعراف كأشياء معقدة كالعقد فتتراءى له كذلك كالعقدة التي يحزم الإنسان نظره في عقدتها، ويحيل نفسه إلى سراب معقد كظلمات فوقها ظلمات.
هنا الأمر معكوس !! الضياء إذا يشتد يصبح أشد من الظلام.. ضياء فوق ضياء له أن يصلي الأحداق، ويغبش كل إطلالة للنظرة.
ثم ما دور العرافة هنا ؟؟ ولماذا تستعين عرافة بساحرة؟
نحن نعرف أن العرافة تكتفي بقدرتها، وتعتز بخبرتها وتجربتها،
وتثمن موهبتها، فكيف تحيل المخاطب إلى شخص آخر لتبدي عجزها حتى لو بالغت بإذكاء نار التحويرة من خلال أن كلاّ منهما ذات اختصاص مختلف، مكمل للآخر، أو بمعزل عنه.. ثم لماذا العرافة كطريق مؤد إلى الساحرة ؟
هل تخبرها بضرورة هذا الحب بعدها لا تجد مفراً من تتبع خطوات السحر كي تتخذ قرارا، وتنبؤ العرافة مهمة عملية تضيء بها صحة ما ادعت بها لها نفس العرافة ؟
أم أن نفس هذه الأخيرة ما كانت تعد إلا نفس الساحرة كمن يخاطب أحدهم وهو شاعر وكاتب حين يبرز كتابات قصة للأول فيجيب عليه مات الشاعر، يعني أنه اعتزل القرض وأهتم بنظم النثر دون الشعر.
ثم إيحاءات غير منشطة بتفعيلاتها المخبأة خلف متاريس شتى لأن أصل المشكلة الحب.. الحب متنوع.. فيه عملي، وفيه نظري. كما العراف والساحر.. الأول نظري، والثاني عملي.
أنظر إلى المعادلة المخبوءة تحت سلطان الغيب، المعبأة به فصول هذه القصة المأخوذة من سرمديتها المختزلة.
مشكلة هذه القصة أنها متواصلة، متدفقة، لا تنتهي لأنها إشعار وإثارة للنفس، وأن العرفان لا يخلص إلا إلى أجواء ليس لها انتهاء. والسحر ينطلق من عوالم ليس لها انتهاء، والحب مقتضب بحرفين لكنه اشتمل على السماء والأرض، والشرق والغرب، والشمال والجنوب بحرفين، بجهتين، بحبيب ومحبوب كل في اتجاه لا تنتهي أبعادهم أبداً.. لذا هنا ثمة تواصل محبب بفنية ترتقب تسقيط ثلمة ما في جيب الأخدود الذي صنعته لنا (هدى) تريد أن تقول لنا ان الحب ما كان إلا سحراً نفسياً، وعرفاناً بالجميل، وغرائز تحيا بالصفح والتوبة، كما النار تحتاج إلى اطفاءة وتأريث كي تتحرك في الهشيم.. ألا ترون إلى الرماد كلما خبا ازداد نوره، ولمعانه، وضوؤه بعد اشتياره مزجة من نسيم لافح، أو هبة قابضة.
تعويلات هي أركان الكلام ليس إلا.. لكن ثمة خفاء مدهش، ولغة حية تنبض في العراء والخلاء.. تركت القصة فجوة كبيرة من السماحة الخالية من أي كلمات.. لكن كاتبتنا (هدى) كانت أغدقت عليها بلمسات البياض فأخفت لبنها خلف بشرة الضرع، وأحالت شهب الحدس في أفكارنا إلى لون البياض، فصرنا نجتر من الفراغ بين الأحرف شتاتاً نلملم به أشلاء الكلم الذي ربما تشدقنا به.
تحية حب رفيع لمثل هذا المستوى من الدقة والتشتيت لذهنية القارئ من أجل تصدير الإنعام في النظرة لديه بعد استيلادها عبر توريد الصبغة المستوفزة إليه.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved