الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th September,2004 العدد : 78

الأثنين 13 ,شعبان 1425

مساقات
نَقْدُ القِيَم
مقارباتٌ تخطيطية لمنهاج علميّ جديد
د. عبد الله الفَيْفي

ليس القارئ في حاجة إلى أن يُقدّم له تعريف بأهمية موضوع عن القِيَم. فالقِيَم الإنسانية من مسلّمات الطبع الإنساني السويّ في كل عصر وثقافة. ومع هذا فهي تشكلّ كل حياة الإنسان، في حالتي وعيه أو لا وعيه، أي أنها من الخطورة في البناء الشخصي والاجتماعي والحضاري، بحيث يغدو البحث فيها من أشدّ القضايا ضرورة وإلحاحاً في أمّة نابهة. فلا غرو إذن أنْ كانت مدار رسالات الأنبياء والرسل ومحطّ انشغال الثوار والمصلحين، في كل زمان ومكان.
وما تزعم هذه القراءة لنفسها نبوّة ولا ثورة، وإن كانت لتطمح إلى أن يكون لها في الإصلاح نصيب. وهذا مطمح أيّ بحث جادّ، لا سيما حين يكون قريباً كأشد ما يكون القرب من حياة الناس، بآمالها وآلامها، كهذا البحث في موضوع القِيَم. وإنما حال الباحث مع هذا الموضوع كحال ابن خلدون حينما ألفى مادة التاريخ بين يديه قد كُتبتْ، فطمح إلى أن يؤسّس من خلالها منهجاً علمياً مبتدعاً، هو علم التاريخ، يكون من أهدافه مجاوزة السرد والتسجيل لحوادث التاريخ إلى تحليل الوقائع التاريخية ومقايستها ومقارنتها، لاستنباط أجهزة النظم الكلية التي تحكم وجودها وتحركاتها. ذلك أن هذه الدراسة في نقد القيم العربية والإسلامية تجري منطلقةً أساساً من تلك المادة العلمية القيّمة التي حوتها موسوعةٌ نُشرت في عام 1421هـ 2000م، (الرياض: دار رواح)، تحت عنوان (موسوعة القيم ومكارم الأخلاق العربية والإسلامية). وكأنما لتاريخ النشر هذا في ذاته دلالته؛ إذ يأتي على مشارف قرن ميلادي جديد وألفية ثالثة من حياة العرب والإنسانية.
هذه الموسوعة موّلها وأمر بنشرها (الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود).
وأشرفت على مشروعها لجنة مكونة من (الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز رئيسًا)، و(الأستاذ الدكتور خالد بن حمد العنقري وزير التعليم العالي)، و(الأستاذ الدكتور فيصل بن عبد القادر طاهر)، و(الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبد الرحمن العجلان). وأدار مشروعها (الأستاذ الدكتور عوض بن حمد القوزي). أمّا إعداد هذه الموسوعة فقد نهض به فريق علميّ كبير، كان رئيسه (الأستاذ الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك).
وقد بلغ عدد الباحثين والباحثات في هذه الموسوعة 48 باحثاً وباحثة. وعدد المحكمين والمحكمات 43 محكّمًا ومحكّمة. وكان الجميع من أبرز الأسماء العلمية المعروفة، من المملكة ومختلف أقطار الوطن العربي الكبير، من أساتذة جامعيين وباحثين آخرين، كما هو واضح من مسرد الباحثين في مستهل المقدمة. وقد تحدّثت (مقدمة الموسوعة) عن هذا، (1: 25 26)، قائلة: (كانت الأسماء أمامنا كثيرة، والكفاءات العلمية متوفّرة، لا سيما ونحن
ننظر إلى جامعاتنا العربية في وطننا العربي الكبير بمنظار واحد تجاه هذه المسؤولية، إيماناً منا بأن موضوعاً مثل هذا لا يهم أمره قطراً دون قطر، بل إن بلادنا العربية الإسلامية كلها مسؤولة عنه، مهتمة بأمره.
أمّا منهجها ومصادر بحثها فقد أشارت إليهما قائلة: (ابتدأت أولى الخطوات بمسح شامل لمصادر الثقافة العربية وكتب التراث العربي، وأولها دستور الأمة، قرآنها المجيد، ثم كتب السنة، فكتب الأدب والأمثال ودواوين الشعر، ومصادر الحكمة، وكتب التاريخ والسير، وكل ما له صلة بالثقافة العربية من دراسات معاصرة، ومن ثم استخلص من هذه المصادر نماذج مما ينطبق عليه شرط الاختيار. (1: 26). غير أن معظم كُتّاب الموسوعة عند التتبّع كانوا من المتخصّصين في اللغة العربية وآدابها أو الثقافة الإسلامية، وقليل منهم متخصص في مجال الدراسات الاجتماعية أو التربوية. وكذلك كانت الغلبة الواضحة في مادة الموسوعة للموروث الأدبيّ، حيث ذكرت الموسوعة (1: 27): أنها (عند البحث تبيّن غنى المكتبة العربية بالموروث الأدبي). أمّا لجان العمل في الموسوعة فقد تمثلت في خمس لجان، هي: اللجنة العلمية وكان كاتب هذه السطور عضواً فيها ولجنة التحكيم، ولجنة الصياغة والتحرير، ولجنة المتابعة، ولجنة التنفيذ والإدارة.
ومن هذا يظهر ما حظيت به هذه الموسوعة من احتفاء واسع يتناسب مع قيمتها الأخلاقية وأهميتها العلمية. فلقد قَدَّمَتْ إحدى وخمسين قيمة اجتماعية عربية أو إسلامية، وهي: (الآداب، إجابة الدعوة، اجتناب الظن، الإحسان، الأسرة،
إصلاح ذات البين، إكرام النفس، الأمانة، الإيثار، البشاشة، التسامح، التعاون، التفاؤل، تفريج الكربات، التواضع، الجوار، حب الخير للناس، الحرية، حسن المعاملة، حفظ اللسان، حق الجارة، الحكمة، الحِلْم، الحياء، الرحمة والشفقة، السِّرّ، السلام، سلامة الصدر، الشجاعة، الشفاعة، الشكر، الصبر، الصحبة، الصداقة، الصدق، الصراحة، طلب العلم، العادات العربية، العدل، العفّة، العفو، الغيرة، الفصاحة، الفضيلة، الفطرة، الكرم، المروءة، المشورة، النظافة، الوسطيّة، الوفاء). وخصّت كل واحدة من هذه القِيَم بمجلد صغير. لتبلغ عدد مجلّداتها، مع مقدمة الموسوعة، 52 مجلدًا، موثّقة مفهرسة فهرسةً علمية. وكان القائمون على الموسوعة يتوخّون بإخراجها على تلك الكيفية أن تصبح في متناول الناشئة والطلبة مستقبلاً، في مدارسهم وجامعاتهم ومنازلهم، وإن كان لسوق توزيع الكتاب منطقُه الآخرُ في نهاية المطاف.
إن هذه الموسوعة وإن لم تدّع لنفسها الإحاطة بمادة القِيَم العربية والإسلامية، وهو ما لا يتوقّع منها على كل حال قد جاءت بمثابة تأسيسٍ فريدٍ لدراسات علمية لاحقة، تنبني عليها أو تنطلق منها، وإن تبدّى أنها إنما تسعى في المقام الأول إلى أهدافٍ تربويّة لنابتة الأجيال. وذلك أنها تُزلف بين أيدي الباحثين مادة خصبة للبحث والتأمّل، غير مسبوقة في مجالها إلا في حدود خاصة، كما في (موسوعة الأخلاق الإسلامية وأسسها)، (1979)، لعبد الرحمن حبنكة الميداني، أو (موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)، (1998)، بإشراف صالح بن عبدالله بن حميد، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن ملّوح. وهما كتابان رجعت (موسوعة القِيَم ومكارم الأخلاق) إليهما. وما هذه القراءة سوى فاتحة ما مهّدت هذه (الموسوعة) السبيل إليه. حيث بدا أن هذا الديوان الموسوعي من قيم العرب والمسلمين وقد طُرح إلى عامة القراء لا تكتمل قيمته الفعلية دون قراءته نقديّا. فكان أن اختار الدارس تسمية هذه القراءة ب'نقد القِيَم). وهو عنوان لا يعني الانحصار في نقد الموسوعة في ذاتها، وإن ارتكز على مادتها، وإنما يعني أكثر من ذلك نقد الخطاب الذي يفرزه ما حوته الموسوعة من أفكارٍ حول القِيَم، أو ما تنصّلتْ عنه منها، بحيث جاءت في مجمل هذا كله تعكس نسيج الشخصية العربية، حتى في طريقة مصنّفي الموسوعة إلى تناول القِيَم.
وفي المساق الآتي شروع في تفصيل هذه القراءة.


مقام:
يقول الغيارَى بقحط المدنْ:
لِنَغْفُ قليلاً..
لينبتَ في راحتينا الوَطنْ!
aalfaify@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved