قصة قصيرة الرماد
|
مساء الدفء الحزين.. الذي ينبعث من مدفئتي..
تنبهت له لحظة.. وتذكرت أني قد أشعلت المدفأة منذ ما يقارب الساعة..!
أزلت يدي الراقدتين على وجهي وجعلت أحدق في النيران.. وبقايا الخشب في الأسفل تحترق بوهن وتستحيل رماداً.. وثارت كلماتك في رأسي: قرأتُ ذات مرة أن الحب كالنيران.. تشتعل بإرادتنا أو بسببنا على الأقل ثم نتأملها بإعجاب.. ثم نفقد السيطرة عليها ونتكبد الخسائر.. ثم تصير إلى الرماد..
وعجبت أنا من كونك تنطقين هذه الكلمة (الحب).. وملأني الفرح فقلتُ أستزيد ساخراً: أي فلسفة هذه؟
حينها شعرت بالخجل وسكت.
فسألتك رجاء أن تواصلي الحديث: ماذا عنيت حين قلت تشتعل بإرادتنا.. أو بسببنا على الأقل.. ولم يتحقق مرادي؛ إذ إن الحياء جعلك تردين باقتضاب: لا أعلم.. لم أفكر في ذلك.
فقلت موضحاً: ربما يعني أننا ننقاد له بإرادتنا لا شعورياً وإن لم نصر عليه ونندفع له.. وأنظر إلى عينيك اللتين تبصراني ولا تبديان أي اهتمام خاص بما أقول.. فلا أعلم هل أقنعك حديثي أم تختلفين معي ولا تجسرين على القول، أم أنك قد غبت في دنيا بعيدة عني.
وتابعت: وربما لا تكون محقاً.. فتجد شخصاً قد احتل أفكارك.. وتود لو تحتفل بوجوده في كل لحظة.. ويقتلك غيابه ألف مرة.. ترغب بشدة لو تعود لسابق أيامك.. قبل أن تلتقيه..
أطرقت.. وقلت أنا باسماً: مهما كان ما تعنيه العبارة.. فإن كل شيء سيصير إلى الرماد.. تلك هي الحقيقة..
ورفعت بصرك إلى وجهي تتفرسين فيه برفق ثم عدت وتنهدت وقد ملأك الشعور بالضيق.. قلت ما قلته لأؤلمك.. فتخرجين من صمتك.. تصرخين.. فأشعر أنا بالأمان.. إلا أن ما حدث هو العكس؛ لأن حديثي جعلك أقل ثقة بي وشعوراً بالأمان.. أليس هذا طريفاً؟؟
دائماً كنا هكذا.. نحترق شوقاً.. ونتوهج كبرياءً.. وتتسع المسافات بيننا بينما نمضي الوقت في جرح أحدنا الآخر.. وما مصيبتنا إلا أننا نكابر..
تخيَّلي لو أننا يوماً نلتقي.. فتلتقي دموعنا.. وأشكو لك غيابك.. وتلومينني على قسوتي.. ثم تحدثيني عن كل وقت تمنيت لو أنك كنت معي.. وكل مساء أفسدته عليك بالأحزان.. وكل مساء تساءلت بحرقة: أين أنا؟ وكل كلمة لم تستطيعي قولها في حينها.. وكيف تحتفين بي أمام أهلك والجميع..
وأقول لك: كم أنا متعب بك.. وكيف عرفت الفرق بين كونك حية وكونك تعيش أو على قيد الحياة.. بك..
إني تائه من دونك..
وإنه استوى لدي الدفء المنبعث داخل المنزل.. وقسوة الجليد في الخارج.. لأن أنفاسك لم تعد هنا..
أعلم أني أتخيل وحدي.. لأننا لو التقينا حقاً.. فإنك ستنظرين لتري كيف استقبلك.. ثم يكون رد فعلك هو ذاته على أي حال.. شيء يشبه الجليد في الخارج..!
أليس هذا هو ما حدث.. ثم لم يعد أحدنا يعرف الآخر..
آه.. هاهي مدفئتي تمازحني.. وتعلن.. الرماد..
خلود باسماعيل الرياض
k_basmaiel@yahoo.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|