وبعد ان تركتُ تونس سنوات فوجئت برسالة تصلني منه..عرفت من سطورها بأنه ترك المنظمة (متقاعداً) عن العمل رغم انه كان قادراً على العمل، والعطاء من خلال شهاداته، وتجاربه وخبراته العملية الطويلة في مناصب قيادية!! |
وهذه من مشاكل كل قدرة (فاعلة) وكفاءة (مؤثرة)، قدرها أنها تنتمي إلى (البلدان النائمة)، لا (النامية) فلو كان ينتمي إلى سكان (الدول المتقدمة) لكان له شأن كبير؛ لأن هذه الدول تدرك جيداً ان ثروتها الحقيقية تتمثل في الدرجة الأولى في (إنسانها) الذي تقوم على كتفيه تنميتها، وعلى ساعديه (الصناعة)، وتشييد (المصانع)، ومن خلال خبرته يحرك إدارة (عجلة العمل)، ويثري بعلمه ميادين الاكتشافات، والابتكارات دون ان يكون لسنه كبير أثر، بل كلما زادت سنوات عمره، تراكمت خبراته، وأصبح سوق العمل أكثر طلباً عليه. |
وإذا طلب بنفسه التفرغ عن العمل، فإنما التفرغ للقراءة، والكتابة في الصحف، والمجلات، أو تأليف الكتب في مجال اختصاصه العلمي، وخبرته الطويلة في العمل، يتفيأ تحت (مظلة التأمين العامة) التي تجعله بمنأى عن الحاجة، بل قد تخطب وده الشركات الكبرى فتعينه مستشاراً لها، و هو في منزله دون ان تكلفه بأوقات محددة للعمل، أو الحضور إلى مكاتبها!! |
أما في الدول (النائمة) فان الإنسان إذا وصل إلى سن معينة (كالستين عادة) فانه يوقف عن العمل، ولو كان في قمة نشاطه، ويطلقون عليه (متقاعد)، كأنهم يوحون إليه (مت قاعداً).. ولا أدري من أين جاء هذا المصطلح القاسي على العقل، المنفّر للنفس، فيتحول إلى (دولاب خامس)، أو (إنسان هامشي) يقضي وقته متسكعاً بين (المقاهي)، أو متجولاً على (أرصفة الشوارع) يسلي نفسه بالنظر إلى واجهات (الفاترينات)، أو يقبع في شقة متواضعة منزوية لمتابعة أخبار التلفاز (الرائي) التي تحدث في العالم، أو مشاهدة (فيلم سخيف) أو مباراة لكرة القدم... مجرد طاقة إنتاجية معطلة حتى يأتيه الموت في يوم من الأيام، أو ساعة من الساعات، هذا إذا لم يتعرض لبعض الأمراض النفسية كالاكتئاب مثلاً!! |
قلت: تلقيت رسالة منه اقتطف السطور التالية منها: |
(إني أشعر بالرضا، لأني أترك المنظمة بعد سنوات طوال، وقد تحقق لها الكثير من الإنجازات في أهدافها، فقد استكملت كل الإستراتيجيات الكبرى في مجالات سعيها، فوضعت الاستراتيجية العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار، واستراتيجية تطوير التربية العربية، والخطة الشاملة للثقافة العربية، واستراتيجية العلوم والثقافة، والنظام العربي الجديد للاتصال، وأصبحت لها القدرة الذاتية على الإنتاج الثقافي، وتملكت وسائله من دار طباعة قادرة، ومن نظام للمعلوماتية يتمثل في البنك العربي الأول في مجال المعلومات التربوية والثقافية والعلمية في الوطن العربي وخارجه (فارابي)، ونسجت علاقات دولية ثقافية، من الصين إلى المكسيك، في إطار نشر اللغة العربية، والثقافة العربية الإسلامية). انتهت. |
كانت الرسالة لا تاريخ لها، لكنني عرفته من خلال ردي الفوري عليه الذي كان بتاريخ 7 51408هـ الموافق 2712 1987م فلم أتلق بعد هذا التاريخ أي رسالة منه، وقد استشففت من رسالته انه يريد ان يوثق للتاريخ ما قدمه من أعمال، وجهود للمنظمة، لإدراكه ان من طباع الإدارة في البلاد العربية مع الأسف الشديد أن الرئيس (اللاحق) يحرص على طمس جهود الرئيس (السابق) أو ينسبها لنفسه، هذا لم يسئ له!! وهي (ظاهرة) متفشية في الإدارات العربية على كل المستويات!! |
وبعد مرور ما يقارب (14) عاماً على رسالته، وجوابي عليه، فوجئت في العام الماضي أثناء مطالعتي لإحدى صحفنا تنعى فيه وفاة صاحبنا الدكاترة الوزير الشاعر الصامت (محيي الدين صابر) وانتقاله إلى رحمة الله.. تغمده الله بواسع رحمته. |
وحين أكتب عنه هذا الموضوع إنما أكتبه لتوثيق ما قدمه من جهود للمنظمة، متسائلاً عن مصير شعره الذي ربما تركه مخطوطاً لدى أسرته، ويحتاج إلى جهة مسؤولة تبعثه بالطبع.. والله المستعان. |
|
alawi@alsafi.com |
ص ب (7967) الرياض (11472) |